تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التفسير الأول، يحسم الأمر بشكل واضح باتجاه "النظر" – أي إن إبراهيم عليه السلام كان يبحث فعلاً عن الحق والحقيقة، وذلك قبل مرحلة النبوة والوحي .. ينقل ابن كثير عن ابن إسحاق (ت 151 هـ) اختياره النظر على المناظرة، بينما يستفيض الطبري في شرح ذلك .. حيث قال في تفسير {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} تفسيرا مسنودا لأبن عباس جاء فيه (فَعَبَدَهُ (= الكوكب) حَتَّى غَابَ , فَلَمَّا غَابَ قَالَ: لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ ; فَلَمَّا رَأَى الْقَمَر بَازِغًا قَالَ: هَذَا رَبِّي! فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ ; فَلَمَّا غَابَ قَالَ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ: هَذَا رَبِّي , هَذَا أَكْبَر! فَعَبَدَهَا حَتَّى غَابَتْ ; فَلَمَّا غَابَتْ قَالَ: يَا قَوْم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ) و رد على الأقوال التي تعارض ذلك بعد ان استعرضها قائلا (وَفِي خَبَر اللَّه تَعَالَى عَنْ قِيل إِبْرَاهِيم حِين أَفَلَ الْقَمَر: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ} الدَّلِيل عَلَى خَطَأ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم. وَأَنَّ الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ: الْإِقْرَار بِخَبَرِ اللَّه تَعَالَى الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ وَالْإِعْرَاض عَمَّا عَدَاهُ ... ) ..

التفسير الثاني: يحسم الأمر بشكل لا لبس فيه، نحو "المناظرة"، بل إنه يرد بشدة على التفسير الأول باعتبار أن النظر هنا تهمة يجب دفعها، وأنها تمس مقام النبوة .. حيث يستفيض ابن كثير والقرطبي في ذلك .. و يذكر ابن كثير (والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في هذا المقام مناظرا لقومه مبينا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام ... وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظرا في هذا المقام وهو الذي قال الله في حقه (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) الآيات ... كيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين ناظرا في هذا المقام بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة السجية المستقيمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا قوله تعالى .. ) أما القرطبي فينقل: قال قوم: هذا لا يصح؛ وقالوا: غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف، ومن كل معبود سواه بريء. قالوا: وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وآتاه رشده من قبل، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين، ولا يجوز أن يوصف بالخلو عن المعرفة، بل عرف الرب أول النظر. قال الزجاج: هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قال؛ وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" [إبراهيم: 35] وقال جل وعز: "إذ جاء ربه بقلب سليم" [الصافات: 84] أي لم يشرك به قط.

ومن الواضح، من خلال الخطين، أن سؤال النظر و المناظرة كان موجوداً في المرحلتين. لكن الفرق أنه كان محسوماً تماماً باتجاه (النظر) في قراءة الخط الأول – وكان محسوماً بالعكس، في الاتجاه الآخر في قراءة الخط الثاني ..

ذات الاختلاف ينتج مرة أخرى في آية سورة البقرة {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 2/ 260] ..

فقراءة الخط الأول، على الأقل الطبري، أنتجت تفسيراً تعامل مع النص القرآني دون محاولة للهروب إلى الأمام أو إلى الخلف، بل يقرر الطبري – بعقلانية وواقعية – بعد أن عرض لمجموعة من الأقوال، أن يقول بعد ان عرض مختلف الاقوال: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة , مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى أَنَّهُ قَالَ , وَهُوَ قَوْله: " نَحْنُ أَحَقّ بِالشَّكِّ مِنْ إبْرَاهِيم , قَالَ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى , قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن " وَإِنْ تَكُون مَسْأَلَته رَبّه مَا سَأَلَهُ أَنْ يُرِيه مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى لِعَارِضٍ مِنْ الشَّيْطَان عَرَضَ فِي قَلْبه."

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير