تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تفسير القرآن بين عصر الحضارة و عصر الانهيار]

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[19 - 01 - 2008, 01:29 م]ـ

قرأت لك: تفسير القرآن بين عصر الحضارة و عصر الانهيار (*)


"التساؤل الإبراهيمي نموذجاً"
د. أحمد خيري العمري
جريدة العرب القطرية
رغم إيماننا المطلق بتعالي النص القرآني عن تغيرات الزمان والمكان، إلا أننا نؤمن ولا بد، بأن بشرية القراءة لهذا النص (او التفسير) ليست منزهة عن تغيرات الزمان والمكان، وأن التفاعل الإنساني مع هذا النص محكوم بشروط تحدد نتائجه وتتحكم بمنطلقاته ومعطياته .. وهي شروط مرتبطة ببوتقة التفاعل وبيئته العامة .. وليس المقصود هنا، ببوتقة التفاعل وبيئته تفاصيله الصغيرة، بل الاتجاه المجتمعي العام الذي يتحكم بآليات التفكير واتجاهاته، وبالتالي يتحكم بالتفاعل مع هذا النص .. وبطريقة قراءته ..
وهكذا فإن النص القرآني نفسه، قد يفسر، في مرحلة معينة ما، مرحلة نهضة وازدهار ونمو حضاري واجتماعي، فإذا بالقراءة الناتجة تتسق مع ما في هذه المرحلة من نهضة ونمو وعقلانية قرآنية، وقد يفسر النص نفسه في مرحلة لاحقة، مرحلة انحدار وجمود وصولاً إلى انحطاط على كافة المستويات، فينتج قراءة تعكس الواقع المتردي الجامد، قراءة قد تصل إلى رفض القراءة الأولى باعتبارها تهمة لا بد أن ترد، وقد تصل إلى الخرافة الممجوجة في بعض الأحيان ..
ليس أدلَّ من هذا، وجود نص واحد، وقراءات مختلفة بحسب طبيعة المحيط الثقافي، من الآيات الكريمة التي تتحدث عن التجربة الإبراهيمية، أولاً في سورة الأنعام {فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قالَ هَذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (*) فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ (*) فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذا رَبِّي هَذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (*) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 6/ 76 - 79] وثانياً في سورة البقرة {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 2/ 260] ..
يمكن تمييز خطين تفسيريين في القراءة لهذه الآيات:
التفسير الأول: يتمثل في قراءة أنتجت في عصر ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، ممثلة على الأقل في قراءة ابن إسحاق (المتوفى 151 هـ) وابن جرير الطبري (المتوفى 224 هـ) ..
والتفسير الثاني: يتمثل في قراءة أنتجت في عصر تآكل الحضارة العربية الإسلامية وانهيارها ونشوء الدويلات المختلفة، وممثلة في (علماء أجلاء لهم كل الاحترام، لكن الاحترام لن يلغي حقيقة أن قراءاتهم أنتجت في عصر انهيار وتأثرت ولا بد بذلك) هذا الخط ممثلاً في (القرطبي المتوفى 671 هـ)، وابن كثير (المتوفى 774 هـ) .. أي بعد حدوث ما حدث من قواصم للدولة العربية الاسلامية من الصليبيين والمغول وانهيار الدولة المركزية ونشوء الدويلات .. خمس أو ست قرون تفصل بين القراءتين، وهي قرون حدث فيها ما حدث وكان لا بد لذلك أن يؤثر على المناخ الثقافي الفكري الذي يتعامل مع النص ..
فلنرَ كيف اختلفت القراءتين بشكل مباشر خاصة وأن موضع الخلاف الأساسي كان في سورة الأنعام، هو هل كان إبراهيم في موضع (النظر) – أي البحث في الكون عن الإله الحق، أو كان في موضع (المناظرة) مع قومه، حيث كان يؤدي ما يؤديه كي يستدرجهم إلى الإيمان بالله عز وجل ..
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير