تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مقرر الثقافة الإسلامية لمنهجية الماجستير في التخصُّصات العِلْمية المُختلفة

ـ[أبو أحمد العجمي]ــــــــ[17 - 04 - 2008, 05:42 م]ـ

مقرر الثقافة الإسلامية لمنهجية الماجستير في التخصُّصات العِلْمية المُختلفة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه؛ وبعد:

(المُثَقَّف): مُصطلح شاعَ استعمالُه في هذا العَصْرِ، في عالمنا العربي والإسلامي لقبًا على شخص يتميز على مَنْ حوله من عُموم الناس بصَنْعَتِهِ الفِكْريةِ، وتفاعُلِهِ الحَيوِيِّ مع قضايا مجتمَعِهِ، وأُمَّتِهِ الواقعية مِنْ خلال السَّعْي لتصوُّرها تصوُّرًا صحيحًا مُتماسِكًا، والإسهام في حلَّ مشكلات هذا الواقع، والتَّرقِّي به في مسالِكِ النُّهوض الحَضَارِيِّ في مختلف مجالات الحياة، على أن لهذا (المُثَقَّف) تخصُّصَه العِلْميَّ الذي يكون فيه "عالِمًا" شرعيًّا، أو لُغَويًّا، أوِ اجتماعيًّا، أو حتى تَقَنِيًّا.

وتبقى الصفتان (مثقَّف، وعالِم)، أو المجالان مُنفصِلَيْنِ، فَهَذِهِ حركةٌ ثقافية واقعيَّة شُموليَّة، وتِلكَ مَعَارِفُ نظرية تخصُّصية، حتى وإنِ ارْتَكز جُهدُهُ الثقافيُّ على المُستوى الفكريِّ الذي وصل إليه عبر تخصُّصِه العِلمي.

بل إن غالب التَّخصُّصات الأكاديمية تقوم بدَورٍ اسْتِلابي لطالب العلم فيها، بحيث يغرق في تخصُّصه، وقد يُبدع فيه في رسائل الماجستير والدُّكتوراه، وبحوثِهِ الأخرى؛ ولكنه يبقى محصورًا في هذا التَّخصُّص مما يجعل أثره محدودًا بطلابه، وزملاء قسمه، ونحوِهم ممن يلتقون معه في التخصص المحدود عددُ أفرادِه مهما كثروا.

ولكن بما أنه يعيش في مجتمع يعرف مُسْتواه وشهرته العلمية، فإن أفراد هذا المجتمع يشعرون بحقِّهم عليه في أن يُسْهِمَ في خدمة قضاياهم، وحلِّ مشكلاتهم، خارجَ إطار تفصيلات تخصُّصه التي لا تَعنِيهِم، ولا يفهمُونها.

هنا يحدث الارتِباك لدى هذا المُتخصِّص مهما بلغ شَأْوُه العِلْمي، وذلك بسبب انحصاره في دائرة التخصص الضَّيِّقَة عن الفضاء الثقافيِّ العامِّ، حيث تختلف الثقافة عن سائِر الفنون العلمية - خاصة النظريةَ منها - في خاصيتينِ لها:

- الشمولية التي تَتَرابط فيها جوانب الحياة الاجتماعية، بحيث تُعالِجُ أيَّ قضية من قضاياها عبر الخيوط الرابطة لها بتلك القضايا، ومَبْنَى هذا أنَّ الثقافة بما هي تصوُّرات وُجوديَّة، وقِيَم إنسانية ونُظُمٌ تشريعيةٌ، لا تكون "ثقافة" إلا إذا تَبَلْوَرَتْ، سواء في حياة الشخص أو الجماعة في صورة كُليّة شمولية مُترابِطة، بحيث تبدو بشكل بَنَّاءٍ مُتكامِل مُترابِط، يرتكز منهجه القِيَمِيُّ على أساسه الإيماني، وتصوُّراته الوُجودية، وتقوم نُظُمُه التشريعية على قِيَمِهِ الخُلُقِيَّةِ والجمالية، ومِنْ ثَمَّ على أساسه الإيماني، وهذا ما تُؤكِّدُه تعريفات الثقافة الكثيرة:

كَقَوْلِ "تايلر" في تعريفه المشهور عن الثقافة: "ذلك الكلُّ المُركَّب .. "، وكتعريف كتاب "الثقافة الإسلاميَّة تَخَصُّصًا ومادَّة وقِسْمًا علميًّا" للثقافة الإسلامية بأنَّها: "العلم بمنهاج الإسلام الشمولي .. "، أمَّا التخصُّص العِلْمِيُّ فِي غالِب واقِعِهِ - بالذَّات في المجالات النظريَّة - فإنَّهُ معالجاتٌ فِكْريَّة لِدَقائِقَ تفصيلية وخلافية في إطار التخصص، الذي يمثل فنًّا مُنْعزلاً عن فُنون العلم الأخرى، فالجزئيَّة هي سِمَتُهُ المقابلة للشُّمولية الثقافيّة.

- الخاصّيَّة الثانية الواقعية التي تربط حركة المُثقف بالوَاقِع الحيّ لمجتمعه أو أُمَّتِهِ، الواقع الذي يعيشه الناس بمشكلاته وطموحاته ومختلِف همومه، خلافا للعلم التخَصّصيِّ الذي يَنْعَزِلُ صاحِبُه عن واقِعِ الحياة العمليِّ انْعِزالاً فِكريًّا حاصرًا مواقِعَ تَأْثِيره فِي دوائر التخصص الضَّيِّقَة، أو بناء الفِكْر الطُّلابي بناءً معرفيًّا بحتًا.

وهنا أمام الارتِباكِ الذي يقع فيه المتخصِّص (عالِمًا أو مُفَكِّرًا) لا مناص له من:

- أن يتلكَّأ عن مُداخَلَةِ الحياة الاجتماعية.

- أن يداخل هذه الحياة من خلال تخصُّصِه بأن تكون محاضراته - مثلاً - في دقائق التخصّص التي تجعل الناس في وادٍ، وهو في وادٍ آخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير