تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَتابَعَت أَمرَ داعِيها وَلَم تَهِمِ

وَفِي الإِراشِيِّ لِلأَقوامِ مُعتَبَرٌ

إِذْ جاءَ مَكَّةَ فِي ذَودٍ مِنَ النَّعَمِ

فَباعَها مِن أَبي جَهلٍ فَماطَلَهُ

بِحَقِّهِ وَتَمادى غَيرَ مُحتَشِمِ

فَجاءَ مُنتَصِراً يَشكُو ظُلامَتَهُ

إِلى النَّبِيِّ ونِعمَ العَونُ في الإِزَمِ

فَقامَ مُبتَدِراً يَسعى لِنُصرَتِهِ

وَنُصرَةُ الحَقِّ شَأنُ المَرءِ ذِي الهِمَمِ

فَدَقَّ بابَ أَبي جَهلٍ فَجاءَ لَهُ

طَوعاً يَجُرُّ عِنانَ الخائِفِ الزَّرِمِ

فَحِينَ لاَقَى رَسُولَ اللَّهِ لاَحَ لَهُ

فَحْلٌ يَحُدُّ إِلَيهِ النَّابَ مِن أَطَمِ

فَهالَهُ ما رَأى فَارتَدَّ مُنزَعِجاً

وَعادَ بِالنَّقدِ بَعدَ المَطلِ عَن رَغَمِ

أَتِلكَ أَمْ حِينَ نادى سَرْحَةً فَأَتَت

إِلَيهِ مَنشُورَةَ الأَغصانِ كَالجُمَمِ

حَنَّت عَلَيهِ حُنُوَّ الأُمِّ مِن شَفَقٍ

وَرَفرَفَت فَوقَ ذاكَ الحُسنِ مِن رَخَمِ

جاءَتهُ طَوعاً وَعادَت حينَ قالَ لَها

عُودِي وَلو خُلِّيَتْ لِلشَّوقِ لَم تَرِمِ

وَحَبَّذا لَيلَةُ الإِسراءِ حِينَ سَرى

لَيلاً إِلى المَسجِدِ الأَقصى بِلا أَتَمِ

رَأَى بِهِ مِن كِرامِ الرُّسلِ طائِفَةً

فَأَمَّهُم ثُمَّ صَلَّى خاشِعاً بِهِمِ

بَل حَبَّذا نَهضَةُ المِعراجِ حينَ سَما

بِهِ إِلى مَشهَدٍ في العزِّ لَم يُرَمِ

سَما إِلى الفَلَك الأَعلى فَنالَ بِهِ

قَدراً يَجِلُّ عَن التَّشبيهِ في العِظَمِ

وَسارَ في سُبُحاتِ النُّورِ مُرتَقِياً

إِلى مَدارِجَ أَعيَت كُلَّ مُعتَزِمِ

وَفازَ بِالجَوهَرِ المَكنونِ مِن كَلِمٍ

لَيسَت إِذا قُرِنَت بِالوَصفِ كَالكَلِمِ

سِرٌّ تَحارُ بِهِ الأَلبابُ قاصِرَةً

وَنِعمَةٌ لَم تَكُن في الدَّهرِ كَالنِّعَمِ

هَيهاتَ يَبلُغُ فَهمٌ كُنهَ ما بَلَغَت

قُرباهُ مِنهُ وَقَد ناجاهُ مِن أَمَمِ

فَيا لَها وصلَةً نالَ الحَبيبُ بِها

ما لَم يَنَلهُ مِنَ التَّكريمِ ذُو نَسَمِ

فاقَت جَميعَ اللَّيالي فَهيَ زاهِرَةٌ

بِحُسنِها كَزُهُورِ النّارِ في العَلَمِ

هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلى

عِبادِهِ وَهَداهُم واضِحَ اللَّقَمِ

فَسارَعُوا نَحوَ دِينِ اللَّهِ وَانتَصَبُوا

إِلى العِبادَةِ لا يَألُونَ مِن سَأَمِ

وَلَم يَزَل سَيِّدُ الكَونَينِ مُنتَصِباً

لِدَعوَةِ الدِّين لَم يَفتر وَلَم يَجِمِ

يَستَقبِلُ النّاسَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ

وَيَنشُرُ الدِّينَ في سَهلٍ وَفي عَلَمِ

حَتّى اسْتَجابَت لَهُ الأَنصارُ وَاعْتَصَمُوا

بِحَبلِهِ عَن تَراضٍ خَيرَ مُعتَصمِ

فَاستَكمَلَت بِهِمُ الدُنيا نَضارَتَها

وَأَصبَحَ الدينُ في جَمعٍ بِهِم تَمَمِ

قَومٌ أَقَرُّوا عِمادَ الحَقِّ وَاصطَلَمُوا

بِيَأسِهِم كُلَّ جَبَّارٍ وَمُصطَلِمِ

فَكَم بِهِم أَشرَقَت أَستارُ داجِيَةٍ

وَكَم بِهِم خَمَدَت أَنفاسُ مُختَصِمِ

فَحينَ وافى قُرَيشاً ذِكرُ بَيعَتِهِم

ثارُوا إِلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهِلِ العَرِمِ

وَبادَهُوا أَهلَ دِينِ اللَهِ وَاهتَضَمُوا

حُقُوقَهُم بِالتَّمادِي شَرَّ مُهتَضَمِ

فَكَم تَرى مِن أَسيرٍ لا حِراكَ بِهِ

وَشارِدٍ سارَ مِن فَجٍّ إِلى أَكَمِ

فَهاجَرَ الصَّحبُ إِذ قالَ الرَّسُولُ لَهُم

سيرُوا إِلى طَيْبَةَ المَرعِيَّةِ الحُرَمِ

وَظَلَّ في مَكَّةَ المُختارُ مُنتَظِراً

إِذْناً مِنَ اللهِ في سَيرٍ وَمُعتَزَمِ

فَأَوجَسَت خيفَةً مِنهُ قُرَيشُ وَلَم

تَقبَلْ نَصِيحاً وَلَم تَرجِعْ إِلى فَهَمِ

فَاستَجمَعَت عُصَباً في دارِ نَدوَتِها

تَبغي بِهِ الشَّرَّ مِن حِقدٍ وَمِن أَضَمِ

وَلَو دَرَتْ أَنَّها فِيما تُحاوِلُهُ

مَخذولَةٌ لَم تَسُمْ في مَرتَعٍ وَخِمِ

أَولى لَها ثُمَ أَولى أَن يَحيقَ بِها

ما أَضمَرَتهُ مِنَ البَأساءِ وَالشَّجَمِ

إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ أُولي فِطَنٍ

بَاعُوا النُّهَى بِالعَمَى وَالسَّمْعَ بِالصَّمَمِ

يَعْصُونَ خالِقَهُم جَهلاً بِقُدرَتِهِ

وَيَعكُفُونَ عَلَى الطَّاغُوتِ وَالصَّنَمِ

فَأَجمَعُوا أَمرَهُم أَن يَبْغتُوهُ إِذا

جَنَّ الظَّلامُ وَخَفَّت وَطْأَةُ القَدَمِ

وَأَقبَلُوا مَوهِناً في عُصبَةٍ غُدُرٍ

مِنَ القَبائِلِ باعُوا النَّفسَ بِالزَّعَمِ

فَجاءَ جِبريلُ لِلهادِي فَأَنبأَهُ

بِما أَسَرُّوهُ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ

فَمُذ رَآهُم قِياماً حَولَ مَأمَنِهِ

يَبغُونَ ساحَتَهُ بِالشَّرِّ وَالفَقَمِ

نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ

لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ

وَمَرَّ بِالقَومِ يَتْلُو وَهْوَ مُنصَرِفٌ

يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفسِ مِن وَصَمِ

فَلَم يَرَوهُ وَزاغَت عَنهُ أَعيُنُهُم

وَهَل تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَمِ

وَجاءَهُ الوَحيُ إِيذاناً بِهِجرَتِهِ

فَيَمَّمَ الغارَ بِالصِّدِّيقِ في الغَسَمِ

فَمَا اسْتَقَرَّ بِهِ حَتّى تَبَوَّأَهُ

مِنَ الحَمائِمِ زَوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ

بَنى بِهِ عُشَّهُ وَاحْتَلَّهُ سَكَناً

يَأوي إِلَيهِ غَداةَ الرِّيحِ وَالرَّهَمِ

إِلفانِ ما جَمَعَ المِقدارُ بَينَهُما

إِلّا لِسِرٍّ بِصَدرِ الغَارِ مُكْتَتَمِ

كِلاهُما دَيدَبانٌ فَوقَ مَربأَةٍ

يَرعَى المَسالِكَ مِن بُعدٍ وَلَم يَنَمِ

إِن حَنَّ هَذا غَراماً أَو دَعا طَرَباً

بِاسمِ الهَديلِ أَجابَت تِلكَ بِالنَّغَمِ

يَخالُها مَن يَراها وَهيَ جاثِمَةٌ

في وَكرِها كُرَةً مَلساءَ مِن أَدَمِ

إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِلّاً وَإِن هَبَطَت

رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِرٍ شَبِمِ

مَرقُومَةُ الجِيدِ مِن مِسكٍ وَغالِيَةٍ

مَخضُوبَةُ الساقِ وَالكَفَّينِ بِالعَنَمِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير