تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[22 - 12 - 2006, 12:35 ص]ـ

نظرت إليه نظرة المتودّدِ

وبدا الحياء بوجهها المتورّدِ

وتبسمت في وجهه ببراءة

فأشاحه بتجهّم المتوعّدِ

فتسلّلت من خلفه تمشي على

حذر تكاتم ضحكة في مولدِ

وتعنَّقَتْه وأطلقت ضحكاتها

ورمته بالقبلات دون تردّدِ

واستعطفته بقولها: "بابا, أنا

لم أنوِ كسرًا, لا, ولم أتعمّدِ"

"أرجوك يا أبتاه سامحني فإن

أنا عدت فاضربني ولا تتردّدِ! "

فأجابها مستمسكا بذراعها

"لا, لا تقولي أنتِ لم تتعمّدي! "

"كم مرّة أخلفت وعدك لي؟ فلن

تجدي الوعود ولا التوسّل فاقعدي! "

فأتاه صوت: "من ترى هذا الذي

أضحى على الأطفال كالمستأسدِ؟ "

"أهو الذي نسي الصبا وفعاله

وعصا لقد لزمته لو لم أجحدِ؟ "

"أفأنت تضربها لِما كسَرت وقد

كَسَّرتَ كلَّ مُخشَّب ومُحدَّدِ؟ "

"قسما بربّي إن ضربت حفيدتي

لأقاطعنّك ما حييت إلى الغدِ"

فبدت على فيه ابتسامة كاتمٍ

غضبًا وأطلق قائلا بتنهّدِ:

"هيا اذهبي فلقد أتتك شفيعة

أمرٌ شفاعتها وأُسقط في يدِي"

فجَرَت إليها وارتمت في حضنها

فرحًا وتقبيلاً بأجمل مَشهدِ

لا أدري ما الذي يجعلني أكتفي بقراءة هذه الرائعة كلما نويت أن أحللها

أقرأها مرة تلو المرة ثم أرددها في نفسي

نظرت إليه نظرة المتودّدِ

وبدا الحياء بوجهها المتورّدِ

وتبسمت في وجهه ببراءة

فأشاحه بتجهّم المتوعّدِ

فتسلّلت من خلفه تمشي على

حذر تكاتم ضحكة في مولدِ

وتعنَّقَتْه وأطلقت ضحكاتها

ورمته بالقبلات دون تردّدِ

واستعطفته بقولها: "بابا, أنا

لم أنوِ كسرًا, لا, ولم أتعمّدِ"

ثم أعود لتحليلها فيعيدني إيقاعها وسهولتها وتسلسلها المنطقي إلى الطرب

وأنسى تحليليها بعد هجوم ما يشبه الانتشاء على أطرافي وأسرح بعد أن اشرورقت عيناي

فأتاه صوت: "من ترى هذا الذي

أضحى على الأطفال كالمستأسدِ؟ "

"أهو الذي نسي الصبا وفعاله

وعصا لقد لزمته لو لم أجحدِ؟ "

"أفأنت تضربها لِما كسَرت وقد

كَسَّرتَ كلَّ مُخشَّب ومُحدَّدِ؟ "

جعلني أرى أمي وهي تحتضن ابنتي , وأرى نظراتها الغاضبة عندما انزعج من بكائها , وأتذمر من رعايتها

قسما بربّي إن ضربت حفيدتي

لأقاطعنّك ما حييت إلى الغدِ"

وسعت زمن المقاطعة بما حييت ثم قلصته بإلى الغد فهل كان ذاك سهوا؟ أم عجلة؟ لكن ذلك فيما أرى جميل فلو وضعت فاصلة بين الزمنين لكان استدراكا لطيفا يبين أن الأم عندما تقسو على ابنها فهي تقسو على نفسها , فرأت أن مقاطعتك للأبد ستضرها أكثر مما ستضرك, فسكتت ثم قالت لا إلى الغد , فلو فصلت بينهما لتخيلنا الموقف واحتججنا لك

ثم أعود لتحليلها فأقرأ وأقرأ ثم أرحل سارحا إلى ذكريات الطفولة ,وأكتفي بالتفكير وترديد الأبيات

ماالذي قلته يا ضاد ليجعلني كلما أردت النقد ألجمتني روعة قريضك؟

وما الذي يجعلني أرى أن نقدي لهذه القصيدة سيسيء إليها؟

السبب واضح فعندما صدقت عاطفة الشاعر لامست كل القلوب , وكأن ما قاله شعور أكبر من اللغة التعبيرية فلم نسطع أن نعبر عنه , وحده ضاد استطاع أن يرسم لهذا الشعور صورة واضحة دراماتيكية , فكأننا نشاهد فيلما سينمائيا , بل كأننا شاهدنا الواقعة عيانا بكل تفاصيلها

فلله درك يا ضاد

ـ[ضاد]ــــــــ[22 - 12 - 2006, 01:21 ص]ـ

هذا بعض شرح كتبته لسائلة بمنتدى آخر.

لعله يفيد في توضيح ما أردت تصويره.

حتى نفهم الصورة لا بد أن نتخيل الموقف (الذي لم أشأ الإطناب في تصوير جزئياته) فهي نظرت إليه ثم تسللت من خلفه وعانقته, وحتى تعانقه, وهي البنت الصغيرة, لا بد أن يكون في مستوى يديها أو ذراعيها, وهذا يعني أنه كان جالسا, وهي عانقته من خلفه, أي أنها لفت ذراعيها حول رقبته, فما كان منه إلا أن أمسك أو استمسك به حتى لا تهرب هي, وفي الاستمساك معنى طلب المسك والسعي إليه كما في الآية الكريمة:

"فقد استمسك بالعروة الوثقى"

واستمسك بالشيء أي مسكه بقوة

وهذا هو المعنى الذي أردته, أي أنه سعى إلى مسكها كي لا تنفلت منه وتهرب.


فأتاه صوت: "من ترى هذا الذي
أضحى على الأطفال كالمستأسدِ؟ "

"أهو الذي نسي الصبا وفعاله
وعصا لقد لزمته لو لم أجحدِ؟ "

"أفأنت تضربها لِما كسَرت وقد
كَسَّرت كل مُخشَّب ومُحدَّدِ؟ "

"قسما بربّي إن ضربت حفيدتي
لأقاطعنّك ما حييت إلى الغدِ"

هناك مستويان من الخطاب في كلام الجدة, مستوى التلميح ومستوى التصريح.

فالبيتان الأولان تلميح لأنها تحدثت إليه بضمير الغائب مذكرة إياه بصباه وأفعاله. ولما قالت \عصا\ فهي تعني بها عصا العقوبة التي كانت لتلتزمه على فعاله, أي أنها كانت لتكون لازمة له لما فعل, لولا أنها جحدت أفعاله, وعمن تجحد الأم أفعل أبنائها؟ عن الأب طبعا, فهي تريد أن تقول له: أنت فعلت أكثر من هذا وكانت العصا تنتظرك دائما لولا أني جحدت فعالك عن أبيك. وهذا المقصود من التلميح, أي أن يفهم الوالد تلميحا ما عنته أمه.

أما التصريح فتحدثت فيه إليه مباشرة بضمير المخاطب لأن الموقف الآن يتطلب ذلك.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير