تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القوافي / للقاضي التنوخي.

القوافي وما اشتقت ألقابها منه / للمبرد.

علم القافية / أ. د. حسني عبد الجليل يوسف.

بقي أن أعلق على قول الأخ ضاد: (إعلم أن الأصل في الشعراء هو الغواية بدليل الآية من سورة الشعراء ثم استثنى المولى منهم المتقين والعاملين الصالحات) فألامر ليس كما توهم الأخ الكريم ضاد فالآية الكريمة ليست بمعزل عن الآيات التاليات لها ولنتأمل فيهنَّ: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) صدق الله العلي العظيم.

فالآيات الكريمات تشير الى أن ما أنزل على الحبيب المصطفى ليس من مما نزلت به الشياطين لأنها تتنزل على كل أفاك ٍ أثيم- لعل المراد الكهنة- والنبي الكريم معروف بصدقه وأمانته وما تلقيه الشياطين أكثره من الكذب، في حين أن ما أخبر به النبي ليس فيه شيء من الكذب،وكذلك تتنزل الشياطين على الشعراء الذين يصدّق الغواة كلامهم دون مراء مع أن معظهم من الكاذبين لأنهم يقولون في كل شيء باطلاً كان أم حقاً، وأنهم يقولون أشياء لا يفعلونها، ثم استثنى من هولاء الشعراء الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

فالإستثناء ليس من الغواية وانما من (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ)، ثمّ أن الغواية صفة من يتبع الشعراء وليس صفة الشعراء أنفسهم.

ومن الطرائف التي تروى في ذلك أن بعض الطفيليين رأى قوماً فظنَّ أنهم ذاهبون الى وليمة، فتبعهم فإذا هم شعراء قصدوا دار السلطان بمدائح، فأخذوا جوائز شعرهم وبقي الطفيلي فقال له السلطان: أشد شعرك، فقال: لستُ بشاعر! قال: فممن أنت؟ فقال: أنا من الغاوين الذين قال الله عنهم: (والشعراء يتبعهم الغاوون) فضحك السلطان وأمر له بجائزة.

وقال: (الشعر, وهذا رأيي الخاص بي، قابل للتعلم بالممارسة والمداومة لدى كل ناطق بالعربية لسانه, وهو ليس أوزاناً وبحوراً فحسب بل إبداع وصور وتشابيه وتصاوير. وتكتسب الأوزان والبحور بدراسة العروض، وتكتسب الصور بدراسة الشعر وتحليله وشرحه والكتب المدرسية خير معين في بادئ الأمر، لأنها تشرح القصائد والأغراض الشعرية والصور بطريقة مبسطة).

والحقيقة أن الشعر ليس هو كل ما ذكره الأخ ضاد، فما ذكره هو الصنعة التي تتقوم بها الموهبة الشعرية، فعلى حدّ قوله يكون كل من درس العروض والبلاغة التي فيها التشابيه والإستعارات والصور شاعراً، وهذا يكافئ قولنا أن كلّ دارسي الأدب العربي في كليات التربية والآداب وما شاكلهما هم شعراء في حين أن الحقيقة ليست كذلك، فمعظم الذين درسوا الأدب العربي ليسوا بشعراء وإن نظم بعضهم البيتَ والبيتين لأنّ البعض الآخر يستحيل عليه نظم جزء من بيت، والدليل على ذلك أن الخليل مؤسّس علم العروض ليس شاعراً وأن كان له بعض المنظومات وكذلك الأخفش وهو عالم لغوي وعروضي وصاحب كتاب القوافي الشهير وأقدم ما ألف فيها، والأصمعي الأديب الشهير والناقد الكبير والذي عرف الأدب الجاهلي وميَّز المنحول من الأصيل، لم يكن شاعراً بل لم ينظم بيتاً واحداً وأمثال ذلك كثير وخاصة من علماء العروض وممن ألّفوا فيه، والنقطة الأساسية التي يجب أن لا نتجاهلها أن الفنون والحرف المهارية هي مواهبٌ ونعمٌ من الله سبحانه وتعالى فمن لا يمتلك موهبة الرسم لا يمكن أن يدرس ليكون رساماً ولكن يمكنه أن يصقل موهبته بالدراسة ولكن ليس للدراسة أن تجعل ممن لا يملك هذه الموهبة رساماً، قال تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير