هذه هي حياتنا نسمو فيها لنتطلع أعلى المراتب، ولنترك ذكرى طيبة عنا، ففي يوم ما سنرحل إلى عالم آخر، ولن تبقى لنا سوى مواقفنا وذكرياتنا.
[حياتنا كاصفرار أوراق الشجر]
آكلة الكتب
12/ 4/ 2009
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أختي آكلة الكتب، خاطرتك رائعة جدا جدا جدا، ولقد أعجبتني كثيرًا، وجئت متلهفا لقراءة نقدية.
وهذا النقد لا يعبر عن الحقيقة، ولا يدل على شيء أبدًا. هو مجرد قراءتي الشخصية فقط.فعلى بركة الله.
عنوان الخاطرة جميل جدًّا لأمور:
-كونه جديدًا، أوعلى الأقل ليس كالعنوانات الكثيرة الطروق.
-يحمل معنى النص ضمنا.
-يدخل العنوان ضمن فن من فنون البلاغة كبير، وهو المجاز؛ لأن اصفرار أوراق الشجر هو في واقع النص نهاية الإنسان.ومن يقول: إنه تشبيه بليغ لم يبعد حيث حذف المشبه وحرف التشبيه والبقية في النص:).
* نظرة عامة:
-النص يحمل فكرةً اتكأ عليها منذ إشراقة شمسه حتى غروبها، وهذا الفكرة دُعِمت بحقيقة مشاهَدة؛ لذا فالخاطرة تهمس وجدان القارئ من وجهين:
الوجه الأول: المعنوي الكامن في المفردات.
الوجه الثاني: الحسي وهو الحقيقة التي يراها القارئ في حياته حيث نمو الأشجار ونضجها وسقوطها.
- تريد الخاطرة أن تقول:
لن تبقى ومصيرك الموت، فإن كنت طفلا فستكبر، وإن كنت رجلا ستهرم، ثم النهاية المحتومة، ولن يبقى لك إلا ذكرياتك.
هذا إيجاز النص، ولي عليه مأخذ سأوردها تباعًا شيئا فشيئا.
* الموسيقى الداخلية:
تخطف القارئ كثير من جواهر البلاغة في النص، ففي مستهل الخاطرة تقول آكلة الكتب:
كنت بين غابات الأمان، أتلألأ زاهية بأوراقي الخضراء، الهواء العليل يتغلغل بينها، والنسمات تحركني يمينا وشمالا، ولكن جاء فصل تتساقط أوراقي معه، وتصبح صفراء كالشمس
وهذا فن من فنون البلاغة اسمه التجريد حيث تجردت الأديبة آكلة الكتب من نفسها حتى جعلت الشجرة تحدثنا عن خبرها وحياتها.
والجمال هنا يبرز في كون الأديبة تحكي واقعًا يعيشه الناس. ويظهر التجريد مرة أخرى حيث تقول:
نطقت إحدى أوراقي، حان الوقت لكي أسقط على هذه الأرض الواسعة، ربما ستمشي عليّ قََدَم، أو سيحملني عامل تنظيف إلى سلة المهملات، إنها دورتنا، أسقط أنا وتأتي ورقة غيري لتنمو في فصل الربيع.
مع التجريد الجميل في هذه الجمل تنقل الأديبة (آكلة الكتب) القارئ من مكان إلى مكان حيث تصمت الشجرة لتتكلم الورقة، وتفصح عن مكنون نفسها للقارئ، وهذا الانتقال يجذب القارئ، ويزيد نشاطه للقراءة ومتابعة الفكرة حتى كأن الأديبة (آكلة الكتب) تمد للقارئ خيطًا يتبعه ليجد الطريق نحو عالم خاطرتها.
ومن الموسيقى الداخلية وإلى فنينِ بلاغيينِ جميلينِ في جملة واحدة، وهما المبالغة والتتميم في قولها:
الهواء العليل يتغلغل بينها
الهواء يتخلل الشجرة من النواحي جميعها، وهو مفهوم من يتغلغل، والتتميم في قولها: (العليل)، فيفهم القارئ أن هذا الهواء هواء جميل ليس عاصفا ولا مفسدًا. ومن الموسيقى الداخلية التشبيه في قولها:
هكذا هي الحياة، كاصفرار أوراق الشجر
إلا أنني لا أحمد لها أن تشبه الحياة باصفرار الأوراق، فالحياة فيها معايش كثيرة ومشارب متنوعة؛ فإن كانت لأحد صفراء، فهي لخلق كثير يانعة مورقة.وأحب أن ألفت نظر القارئ إلى ما يشير إلى نفسية الأديبة هنا حيث حكرت الحياة على الاصفرار، وهذا يدل على شيء من التشاؤم أتى ضمنا في النص. عليك - أديبتنا آكلة الكتب - بالتفاؤل وطرح التشاؤم؛ لأن التشاؤم شيء يعكر صفو الحياة. ومن التشبيهات في النص - أيضا - قولها:
وتصبح صفراء كالشمس
وهذا تشبيه عادي، وليس فيه جدَّة ولا تجديد، والذي خفف جماله كونه مطروقًا كثيرا، ومعروف لدى السامع والقارئ والكاتب العادي، فالأديب يجب أن تكون له خصوصية وفوقية ٌ عما يسمى العاديّة.
ومن الموسيقى الداخلية المجاز العقلي، وهو سيد هذه الخاطرة إذ تعدد مكان بريقه تقول آكلة الكتب:
لحظات قاسية
ليست اللحظات قاسية، وإنما القاسي ما يأتي فيها والجمال هنا أن تنسب القسوة إلى اللحظة. وتقول - أيضا -:
لحظات رائعة
وليست اللحظة رائعة، وإنما الرائع ما يأتي فيها، والجمال هنا أن تنسب الروعة للحظة. ومثل ذلك يجري على قولها:
يومٌ حزين
¥