وعلى قولها:
ويومٌ نقي كالبياض، يومٌ نفرح فيه، ويومٌ نستشعر فيه روعة الحياة، يومٌ نحزن ونبكي فيه، وربما سيأتي يومٌ نجد فيه العديد من الآلام و الجراح.
وهذا كله مجاز عقلي يفهم ضمنا من خلال انسياب النص.ومن الموسيقى الداخلية التشبيه في المجاز العقلي حيث أعطى قوة دلالية صاخبة في الخاطرة إذ تقول:
يومٌ حزين كالسواد
فيوم جزين مجاز عقلي، ثم تشبه هذا اليوم الحزين بالسواد، وهو شيء جميل جدا. ومثله - أيضا - قولها:
ويومٌ نقي كالبياض
فيوم نقي مجاز عقلي، ثم تشبهه بالبياض، وهو تشبيه مذهل.
وآخر نغمة من أنغام الموسيقى الداخلية هو (التفصيل بعد الإجمال)، وهو فن جميل يظهر في آخر الخاطرة حيث تقول أديبتنا:
قد تصادفنا لحظات قاسية، وقد تصادفنا لحظات رائعة، لأن حياتنا ليست وردية أو زرقاء أو صفراء، إنما هي خليط من الألوان، يومٌ حزين كالسواد، ويومٌ نقي كالبياض، يومٌ نفرح فيه، ويومٌ نستشعر فيه روعة الحياة، يومٌ نحزن ونبكي فيه، وربما سيأتي يومٌ نجد فيه العديد من الآلام و الجراح.
وهذا كله تفصيل للإجمال في أول الخاطرة، ومن هنا تفتق زهر الجمال عن براعم النص.
* الموسيقى الخارجية للخاطرة:
- المفردات والتراكيب:
تقول آكلة الكتب:
كنت بين غابات الأمان
أنا لا أحمد هذا التركيب؛ فالغابة توحي بالوحشة والقسوة والخوف، ولم تكن يومًا رمزا للأمان، وحكم الغابة معروف: (القوي يأكل الضعيف).
فأنا أرى أن إضافة الأمان للغابة تركيب لم يوفق أختاه.
يتغلغل بينها
هذا تركيب بغاية الجمال؛ لأن التغلغل يفيد الإحاطة والشمول. وتقول أديبتنا آكلة الكتب:
حان الوقت لكي أسقط
وهذا تركيب خاطئ في العربية. لماذا؟
الجواب:
أختي، (لكي) تفيد التعليل، وأن ما قبلها سبب لما بعدها، فمثلا:
جئت لكي أتعلم. المجيء سبب للتعلم، وهكذا أختاه.
والمشكلة التي وقعت بها نحوية. ومن التراكيب في الخاطرة البهية تقول أديبتنا آكلة الكتب:
سيحملني عامل تنظيف إلى سلة المهملات
هذا تركيب غير جيد؛ لأن الغابات لا تنظف!
ومن التركيب قولها:
هكذا هي الحياة، كاصفرار أوراق الشجر
هذا التركيب غيرُه أحسن منه؛ لأن الحياة ليست حكرا للإنسان، بل هي أعظم من ذلك. هي - يا أختي - سر من أسرار الله وعجيبة من العجائب، فلماذا نحجِّر هذا الواسع، ولماذا نسلب الألوان المتعددة لنجعل الحياة لونًا واحدًا.
ألا تتفقين معي أن الجمال يكمن في أن نجعل للقارئ أفقا يتأمل في النظر من خلاله، ولا نحصره في شيء معين؟ (أترك لك الإجابة).
ومن التراكيب في النص تقول آكلة الكتب:
ويومٌ نستشعر فيه روعة الحياة
وفي هذا التركيب ثروة جمالية تفاؤلية؛ فصيغة (استفعل) في الغالب تفيد الطلب - كما صرح بذلك ابن جني في كتابه الخصائص - فيكون المعنى أن الإنسان بدافع التفاؤل يحاول أن يبحث عنا يزيد الحياة روعة في حياته الشخصية.
ومن التراكيب الملفتة للنظر في الخاطرة التوكيد حيث تقول:
إنه فصل الخريف
ثم تقول:
إنها دورتنا
ومن التراكيب الجميلة جدا قولها:
عمّر أجدادنا الأرض
صيغة (فعّل) تدل على كفاح الآباء في الحياة، (فعّل) تدل على التكرار.
ومن المفردات الجميلة في النص قولها:
أتلألأ - يتغلغل - نستشعر -
وتقول آكلة الكتب:
ربما ستمشي عليّ قََدَم
يخيل لي - أختي - أنك لم تجدي مفردة غير (ستمشي)، فأقول لك:
تدوسني - تطؤني - تدهسني.
وتقول أديبتنا:
وربما سيأتي يومٌ نجد فيه العديد من الآلام و الجراح.
هذا تركيب غيره أحسن منه؛ لأن الآلام تأتي لكل إنسان، ولا حاجة لكلمة (ربما)، ولو تركت حرف السين فقط لكان أحلى وأجمل، لأن حرف الاستقبال (السين) يفيد قرب الوقوع حيث تقع الآلام لكل الناس.
آخر نقطة بارزة في التراكيب هي همزة المضارعة وياء المتكلم، فكل مضارع مبدوء بالهمزة، فتقول:
أتلألأ - أوراقي - أسقط - تحملني - غيري
وفي آخر النص نتحول من همزة المضارعة إلى نون المضارعة أو ناء المتكلمين، فتقول:
تصادفنا - حياتنا - نستشعر - لنترك - لنتطلع - مواقفنا - ذكرياتنا
وهناك تراكيب غير أدبية مثلا في قولها:
إلى قيام الساعة
وفي قولها أيضا:
لنتطلع إلى أعلى المراتب
* المعاني:
تقول أديبتنا آكلة الكتب:
هذه هي حياتنا، نسمو فيها لنتطلع أعلى المراتب، ولنترك ذكرى طيبة عنا، ففي يوم ما سنرحل إلى عالم آخر، ولن تبقى لنا سوى مواقفنا وذكرياتنا
أنا لا أوافقك على هذا القول أبدا. لماذا؟
الجواب:
وأين الدين؟ وأين العمل الصالح للمحسن وثوابه؟ وأين العمل السيء للمسيء وعقابه؟
فأنت حصرت الحياة على الذكريات والمواقف فقط، وهذا خطأ يجب أن يُستدرَك في اللاحق من إبداعاتك.
أخيرا:
- استمتعت في قراءة النص.
- اهتمي بالنحو وعلامات الترقيم.
-الكتابة الأدبية تختلف عن الكتابة الإنشائية أو كتابة المقال فلها خصوصية في المفردات والأساليب والتصوير.
-اقرئي كثيرا في كتب الأدب؛ لأن القراءة ترفع من مستوى خيالك، وتمدك بالمخزون اللغوي.
-فن الخاطرة يفسح المجال للأديب أن يلج الأبواب كلها، فلا تضيقي الخناق على نفسك.
وفقك الله، ويسر أمرك، ورزقك الخير حيث كان.
¥