[اقتناص الذات الضائعة قراءة في قصص تليباثي]
ـ[مثنى كاظم صادق]ــــــــ[25 - 11 - 2009, 01:47 م]ـ
إقتناص الذات الضائعة
قراءة في قصص (تليباثي)
مثنى كاظم صادق
عن دار نعمان للثقافة في لبنان صدرت عام 2008م مجموعة قصصية بعنوان (تليباثي) للقاص العراقي هيثم بهنام بردى , وضمت هذه المجموعة أربع قصص قصيرة وتصدرت قصة تليباثي عليها والتي حملت المجموعة اسمها , وبعد فلا تدعي هذه القراءة الكمال كما لا تدعي أنها أضاءت جميع خبايا هذه القصص , بل هي قد تكون فاتحة وخطوة أولى لكشف الكثير من الشفرات المرمزة القابلة للتأويل وتعدد القراءات , ويجب أن نقول هنا أن القاص له تعامله الخاص مع اللغة , فاللغة عنده سائغة مطواعة , يضفي عليها إيحائية من خلال التأثيث الجيد لها مما جعلها متلألئة , وبالرغم من هذه اللغة السامية فأن القاص قد جعلها في حالة توازن مع بقية عناصر القصة ولم يطغ عنصر على آخر مما جعلها ذات أوصال متناسبة فالمبدع (هيثم بهنام بردى , الصامد في العراق , يأسرنا , في مجموعته القصصية الحاضرة) كما أشار الناشر الأستاذ ناجي نعمان على الغلاف الأخير من هذه المجموعة , هذه المجموعة (تليباثي) مجموعة قصصية عمل القاص على رسمها بخيوط تخاطرية تخاطبية ملونة تفرض على القاريء التوقف عندها وتأملها من خلال لغتها الأشراقية الجميلة الملتمة على نفسها المكتسية بالعزلة , بحثا عن اقتناص الذات الضائعة , مستفيداـ أي القاص ــ من ثقافة صوفية روحانية يجيد إسكانها في أحضان نصه؛ لأن لغة الأدب لغة ثانية وهي التي تبقى .... ومن المعروف أن لكل متلق قراءته الخاصة للنص الأدبي ضمن مرجعيات معروفة في مضانها؛ ووفق هذا أقدم قراءتي المتواضعة لـ (تليباثي):
بنية العنوان القصصي
يعد العنوان بالنسبة للمتلقي , ثريا النص ومفتاحه الأساس الذي يتجاذب مع النص الذي تحته والذي يعين ـــ بلا شك ــ على فك شفرات النص؛ وعليه فلا يمكن قراءة نص قصصي ما لم نقف على رأسه أي عنوانه , فالعنوان ــ إذن ــ لازمة نصية في فن القص وأن (أي عنوان يكون عبارة صغيرة تعكس عادة كل عالم النص المعقد الشاسع الأطراف) (1) إذ يقترح العنوان (تليباثي) قراءة أولية لمرجعية ميتافيزيقية مرتبطة بظاهرة التخاطر ( Telepathy ) وهي الأتصال الروحي مع الآخر والتناغم معه والتخاطب من دون إتصال شفاهي , بيد أن عنوان المجموعة وفق هذا المفهوم النفساني شكل (موقعا ستراتيجيا خاصا , يشرف على النص ويحرسه , ويضمن وحدته وعدم تفككه وذوبانه في نصوص أخرى) (2) فالعنوان قد هندس للنص وللفضاء السردي؛ فهو بوابة (تلباثية) تخاطرية مع النصوص القصصية التي تلتها , ولعل الغموض في العنوان إنما هو الصعوبة في الدخول إلى الذات الإنسانية المعقدة ومعرفة هذه الذات أمكاناتها الكينونية , بتحولاتها وتركيبها الغامض , جاء العنوان للمجموعة القصصية (تليباثي) وهو عنوان القصة الأولى في هذه المجموعة , معلنا التأكيد على هذا الأتصال التخاطري والذي يربط بوشائج نصية اتصالية القصص الأخرى وكما سنفصل في مبحث آخر , فقد أعلن العنوان عن تخاطره عن طريق التقدير اللغوي النحوي والمقدر بـ (أنت تليباثي) أو (انا تليباثي) أو (هو تليباثي) وتعضيدا له جاءت لوحة الغلاف تحت العنوان بريشة المتألق (لوثر أيشو آدم) مؤكدة لهذه التلبثة وكأن اللوحة تفسر العنوان والعنوان يفسر اللوحة وربما يصح أن نقول: أن العنوان (تليباثي) جواب عن سؤال ورد في القصة نفسها (هل أنا تليباثي؟!) (3).
يكاد يجمع المشتغلون في فن القص أن عنوان القصة قد يأتي أحيانا لا يمت بصلة إلى القصة , وقد يأتي مما له صلة بالمضمون , وقد يأتي مما ورد في النص الحكائي بصورة مباشرة , وبصورة عامة (لا يأتي العنوان متأخرا عن كتابة القصة فهو يولد معها وينمو مع عناصرها من الأحداث والشخصيات والفكرة المركزية) (4) ولذلك يمكن القول: إن القاص المبدع (هيثم بهنام بردى) قد اختار عنوانات قصصه القصيرة الأربعة (التليباثية) من النوع الملفوظ في النص السردي فالقصة ألأولى (تليباثي) والتي حملت اسم المجموعة قد اختار عنوانها من جملتين وردتا في القصة وهما (هل أنا تليباثي؟!) (5) و (الإله التليباثي) (6) , وأما القصة الثانية (الملحمة) فقد وردت هذه الكلمة عينها أو اشتقاقها
¥