إن من أسس العقيدة الإسلامية الولاءَ للإسلام وأهله، والبراءَ من الكفر وأهله، والولاء لا يتحقَّق إلا بالمحبَّة الخالصة، والنصرة الصادقة لكل من نواليه من المؤمنين، وهذا من أوثق عُرى الإيمان؛ كما قال الله - سبحانه -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
وعن ابن مسعود قال: "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا ابن مسعود))، قلت: لبيك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالها ثلاثًا، ((تدري أي عُرى الإيمان أوثق؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن أوثق عرى الإسلام الولاية فيه، الحب فيه والبغض)) [4].
4 - اتباع الرويبضة:
كثيرًا ما تفتح أبواب الإعلام أمام بعض من يحظَوْن بالشهرة والاهتمام؛ لمجرد انتمائهم لحقل فني أو إعلامي أو رياضي؛ ليتحدثوا في قضايا الأمة العامة والخاصة، رغم أنهم غير مؤهلين للحديث في هذه القضايا؛ لافتقادهم المقومات العلمية والشرعية والثقافية، وهذا يذكِّرنا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدَّق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه في أمر العامة)) [5].
وللأسف يتأثر البعض بما يُلقَى على سمعه في تلك الوسائل الإعلامية، خاصة حين يفتقدون العلم والوعي الذي يستطيعون من خلاله التفريقَ بين الغث والسمين، والصواب والخطأ، وبذلك تُشوه العقائد، وتُغيَّر الثوابت، وتزيَّف الحقائق.
5 - عدم الحرص على اتِّباع شرع الله:
لقد أمرَنا الله - سبحانه وتعالى - إذا اختلفنا أن نرجع لحكم الله ورسوله؛ فقال - سبحانه -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
لكن البعض تُعميه الفتنُ والاختلافات عن طلب الحقِّ، والاحتكام لأمر الله - تعالى - ويصبح همُّه الانتصار لنفسه، واتباع هواه، لا ابتغاء مرضاة الله.
6 - عدم الالتفاف حول العلماء:
لقد أمرَنا الله - عز وجل - إذا أشكل علينا أمرٌ أن نسأل أهل العلم؛ لنسترشد بعلمهم، ونستضيءَ بما آتاهم الله من الهدى والفضل؛ فقال - سبحانه -: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
ولكن إذا ترك الناسُ أهلَ العلم والذِّكرِ، فإنهم سيتَّخذون من الجهال رؤوسًا لهم، وبذلك سيضلُّون السبيل، وينحرفون عن الصراط المستقيم.
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهَّالاً، فسُئلوا فأفتَوْا بغير علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا)) [6].
ولذلك؛ فإن من الضروري ردمَ الفجوة الموجودة بين بعض عوام هذه الأمَّة وبين علمائها، بإيجاد وسائلَ إعلاميةٍ تحقِّق الوصلَ المفقود، وتُعيد للعلماء مكانتَهم الطبيعية، وتأثيرَهم المنشود في المجتمعات الإسلامية.
7 - الفراغ الذي يعانيه شباب الأمة:
لقد كان شباب هذه الأمة في عهد سلفنا يعيشون في أجواء تسعى إلى توظيف طاقاتهم في ساحات الجهاد، وطلب العلم، والدعوة، وإصلاح المجتمع، وخدمة عموم المسلمين، وبذلك كانت هممُهم تعلو، وغاياتهم تسمو، ونفوسهم تكبُر.
لكن الشباب في عصرنا، في ظلِّ افتقادهم لهذه الأجواء، ورزوحهم بين مطرقة إعلامٍ فاجر وسندان تعليمٍ فاسد - صاروا يعانون حالةً من الفراغ تدفعُهم إلى التعلُّق بسفاسف الأمور، وشغل أنفسهم بالتَّفاهات، التي يجعلون منها قضايا عامةً، فيها يبدِّدون طاقاتهم، ويضيِّعون أوقاتهم، ويستهلكون قواهم بغير ثمرةٍ أو فائدة.
8 - الهزيمة النفسية:
إن معاناة الأمة من السقوط على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي - قد أصاب البعضَ بحالة من الهزيمة النفسية، دفعتْه إلى الانبهار بالأعداء، والتراجعِ عن المبادئ، والبحثِ عن انتصارات وهميَّة تجبر كسرَ النقص الذي يشعر به، وتروي غليلَ الظمأ إلى النصر الذي يعانيه.
ومن هنا نرى كيف تحوَّلتْ مباريات الكرة إلى معركة، يصير الفوز فيها فتحًا تتعلَّق به القلوب، وتُنفَق فيه الأموال، ويلتفُّ حوله ملايينُ المساكين؟!
وسواء كان كل ذلك من تدبير الأعداء ومكْرِهم بالأمة، أو كان بما كسبتْ أيدينا، فإن السعي لعلاج تلك الأدواء واجبٌ على كل من امتلك حظًّا من التأثير، ومتَّعه الله بشيء من القَبول لدى العامة، نسأل الله الهداية للجميع.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري (4747)، ومسلم (4681).
[2] أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 100)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 88)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2700).
[3] أخرجه البخاري (4525)، ومسلم (4650).
[4] الطبراني في الكبير (10531) وسنده حسن، انظر: "السلسلة الصحيحة" (1728).
[5] أخرجه أحمد (7571)، وابن ماجه (4026) وسنده صحيح، انظر: "السلسلة الصحيحة" (1887).
[6] أخرجه البخاري (98)، ومسلم (4828).
¥