تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"لقد أطلق القرآن الكريم تسمية الجاهلية – أي الجهل – على الوثنية التي سيطرت على الجزيرة العربية قبل الإسلام، ومع ذلك لم تكن تلك الجاهلية فقيرة في صناعة الأدب، فقد حفلت هذه الفترة بألمع الأسماء.

لكنها ظلت تسمى الجاهلية - أي عصر الجهالة - لأن علاقاتِها المقدسة لم تكن مع أفكار، وإنما كانت مع أوثان الكعبة، فالكلام العربي آنذاك لم يكن يتضمن سوى كلمات برّاقة وخالية من كل بذور خلاقة.

وإذا كانت الوثنية جهالة فالجهالة بالمقابل وثنية. وليس من قبيل الصدفة أن الشعوب البدائية تؤمن بالأوثان والتمائم."

ومن هنا يقترن الفراغ الفكري، فراغ أي نص من مضمون، بالجهل والفحش، فيصبح لا ضرورة له، ويدخل في باب المنهي عنه، حتى لو لم يحتوي على ألفاظ فاحشة، فالهذيان غير مبرر ولا مطلوب يقول تعالى:-

(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

ومما يندرج في هذا الباب على سبيل المثال لا الحصر، الغزل، حيث يستدل الكثير ممن يكتبون الغزل بحادثة كعب بن زهير وبردته على مشروعيته من صمت الرسول الكريم. وسنستفيض بالحديث عن الغزل كغرض من أغراض الكتابة كما قلنا على سبيل المثال لا الحصر.

لا بد للكاتب ألاّ يحاول إيجاد المبررات لكتابته وإصباغ الدين والمشروعية لها لمجرد أنه يريد أن يكتب، وإن كان سكوت الرسول الكريم ذريعة، فهي ذريعة واهنة أوهن من بيت العنكبوت، فالقاعدة الفقهية تقول لا اجتهاد فيما ورد فيه نص، وهنالك سورة في القرآن الكريم للشعراء، من أراد فليحاول أن يقرأ في التفاسير، سيجد في القرطبي مثلا أنه أورد عن ابن مسعود أن الرسول الكريم قال، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خيرا من أن يمتلئ شعرا، ولنسُقْ بعدها ما شئنا من مسوغات.

من جانب آخر سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كان استنكاراً، ونشير هنا إلى حديث عبد الله بن أبي السرح، حيث لم يبايعْه الرسول إلا بعد ثلاثٍ، وقال: -

(أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففتُ يدي عن بيعته فيقتله؟) فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟، قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) " رواه أبو داود و البيهقيّ.

هذا في تفنيد الدليل الذي يستندون عليه، وفي نفس السياق نتطرق لموضوع الأغاني والمعازف وحكمة تحريمها أو النهي عنها اختلفنا، أم اتفقنا كنظير للشعر، المُتأتّي من وراء الاستماع إلى الأغاني هو الوصول لمرحلة من النشوة تسمى الطرب، ولا يريد بنا الإسلام أن نصل إلى هذه المرحلة، وهي قريبة إلى حد ما من النشوة المتأتية من السكر، وبالتالي المقصود من التحريم ليس للحْن مُعين، أو طريقة عزف، حكمة التحريم من الآثار المترتبة على الاستماع، فلما كانت الآثار المترتبة على قراءة قصيدة أو نص غزلي؛هي هي نفس الآثار فسيقاس بنفس المقياس، وإن كان بالأصل أن الغناء شعر مُغنَّى. ناهيك عن موضوع الفتنة المتأتية من قراءته، وما لذلك كله من انعكاسات على شخصية القارئ – المتذوّق – حيث يستمرئ كل ما هو سهل، وشخصي ولا مضمون له، ويُغصُّ من كل ما هو فوق ذلك.

وتجدر الإشارة هنا ربطاً مع ما كتبناه آنفا عن الاستعمار ومخلفاته، إلى أنه " تعبر طائفة أخرى عن الاستسلام للأقدار و الغرق في حالة الكائن المغلوب على أمره ضحية التنكيل و التشفي حيث لا مجال للاستجابة سوى الرضوخ و تفاقم الشعور بانعدام السيطرة على المصير و بأن الإنسان ضائع و مضيع "، " و تظهر من خلال تداعياتِ الحديث ازدواجية الأسى من التعبير و تفريغ التعبير في آن معا" هذا ما قاله الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الإنسان المهدور، وهذا توضيح جلي لما نمر به، ونستخدم الكتابة للتعبير عنه، كالكتابة الناقمة التي أيضا لا تشكل بأي حال من الأحوال رسالة، ولا الكتابة الشاتمة أيضا، لأنها لا تقدم جديد، ونشير أيضا إلى الكتابة الوصفية المستاءة التي لا تزيد على كونها تروي الأحداث أو تصفها بطريقة فيها نوع انتقائي للألفاظ كإشارة على امتلاك موهبة الكتابة، وهي أيضا مفرّغة من مضمونها، ولا يعدو النص بعد ذلك أكثر من فيلم وثائقي يمكن أن تراه في نشرة الأخبار. وإن أضفى عليها شيئا من الكوميديا فقدت حتى معنى نشرة الأخبار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير