تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ب ـ الدافع السياسي: كانت السلطة الزمنية في الفترة ما بين عصري الجاحظ والعسكري فترة مزدهرة بالترجمة والتأليف والكتابة وصولة البيان، وكان الخط السياسي معنياً بتقييم الكتاب، فعليهم تقوم أركان الدولة، وبهم ينهض مجد الحكم، ومنهم يخرج عطاء الناس، وبهم تتفاخر الأمراء والوزراء والولاة، والكتاب إنما يتميزون بالأداة الصالحة والمهارة الفنية، وهما يستقيمان باللفظ والتحكم فيه، وإخضاع تلك المهارة لأغراض الدولة ومتطلبات السلطان، وليست أغراض الدولة أغراضاً علمية فتحتاج إلى عميق المعاني وموضوعية البيان، وإنما هي أغراض سياسية تحققها قعقعة الألفاظ وزبرجة الهياكل، فإذا أضفنا إلى هذا مكانة الجاحظ وشخصية العسكري وما يقتضي مركزهما من التريث والتدبر حفاظاً على النفس، وقضاء للمصالح، فما المانع أن يندفعا هذا الاندفاع إرضاء لأولئك الكتاب، أو حذراً من ولاة الأمور، ولكن هذا التعليل يقضي بأن الجاحظ والعسكري وأنصارهما قد تجاهلوا كيانهم الحضاري ومجدهم العلمي، وفرطوا بذوقهم الأدبي وتراثهم العقلي راغبين أو راهبين.

ج ـ الدافع القومي: ومرده في إعطاء هذا الرأي وبخاصة من قبل الجاحظ هو محاولة دحض مزاعم الشعوبيين الذين حاولوا تفضيل نصوصهم الأدبية على النصوص العربية بكثرة معانيها، وتدفق أغراضها، و تعدد موضوعاتها، فكان رد الفعل لدى النقاد العرب هو التقليل من قيمة المعاني وإعطاء القيمة للصناعة اللفظية.


(1) المصدر نفسه: 63 ـ 64.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
2 ـ الفريق الثاني: وذهب الفريق الثاني وفي طليعته ابن قتيبة (ت 276 هـ) إلى القول بالجمع بين اللفظ والمعنى مقياساً في البلاغة، وميزاناً للقيمة الفنية، فرأى أن الشعر يسمو بسموهما وينخفض تبعاً لهما، وقد قسم الشعر إلى أربعة أضراب:
1 ـ ضرب حسن لفظه وجاد معناه.
2 ـ ضرب منه حسن لفظه وحلا، فإذا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى.
3 ـ ضرب منه جاد معناه، وقصرت ألفاظه.
4 ـ ضرب منه تأخر معناه، وتأخر لفظه (1).
فاللفظ والمعنى عند ابن قتيبه يتعرضان معاً للجودة والقبح، ولا مزية لأحدهما على الآخر، ولا استئثار بالأولوية لأحد القسيمين، فقد يكون اللفظ حسناً وكذلك المعنى، وقد يتساويان في القبح، وقد يفترقان.
ولم يعدم ابن قتيبة الموافقين له على رأيه، وفيه من الوجاهة ما يدعمه، فقد سار على منهاجه قدامة بن جعفر في نقد الشعر وتحدث عن اللفظ والمعنى، وجعلهما قسيمين في تحمل مظاهر القبح وملامح الجودة فيما أورده من آراء في عيوب الالفاظ والمعاني (2).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير