تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا المنهج الذي اختطه ابن رشيق تكاد تنجذب له نفوس قسم من النقاد القدامى والمعاصرين، ففي طليعة القدماء ابن الأثير، الذي يرى أن عناية العرب بالفاظها إنما هو عناية بمعانيها، لانها أركز عندها وأكرم عليها، وإن كان يسوغ بل يعترف أن عناية الشعراء منصبة على الجانب اللفظي، ولكنها وسيلة لغاية محمودة وهي إبراز المعنى صقيلاً، فإذا رايت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها، ورققوا حواشيها، وصقلوا أطرافها، فلا تظن أن العناية إذ ذاك إنما هي بألفاظ فقط، بل هي خدمة منهم للمعاني (3).

ولا تفسر هذه المحاولة من ابن الأثير بالاقتداء بخطوة ابن رشيق وهي وإن لم تصرح بمزج اللفظ والمعنى في قالب واحد، ولكنها تشير إلى


(1) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 1|124.
(2) إبراهيم سلامة، بلاغة ارسطو بين العرب واليونان: 151 ـ 152.
(3) ابن الأثير، المثل السائر: 1|353.
قيمة المضمون والشكل معاً في صقل الصورة، وتلمح إلى طبيعة التلاؤم بينهما.
وقد لاقى هذا الاتجاه سيرورة وانتشاراً عند كثير من النقاد المحدثين ـ وإن لم يثبت اطلاعهم عليه، لأنهم لا يشيرون إلى مصدره وكأنهم مبتكرون ـ فربطوا بين اللفظ والمعنى حتى ليخيل إليك أنهما شيء واحد، وحدبوا على تطوير نظرتهم هذه وصعدوا بها إلى مستوى الحقائق الثابتة من خلال إشباع البحوث استدلالاً لها، ونسجاً على منوالها، حتى أخذت طريقها إلى مستوى النظريات والصيغ النهائية.
يرى الناقد الفرنسي دي جورمون «أن الأسلوب والفكر شيء واحد، وإن من الخطأ محاولة فصل الشكل عن المادة» (1).
وطبيعي أنه ينظر إلى الألفاظ بأنها أساليب وإلى المعاني بأنها أفكار، ثم يخطئ القائلين بفصل تلك الألفاظ عن هذه المعاني.
ويقول (دونالد استوفر) باتحاد الشكل والمحتوى، ويرى فيهما شخصية واحدة لا يمكن أن ينظر إلى أجزائها في استيعابها وتحديد النظرة الفاحصة إليها فيقول: إن القصيدة تتمتع بشخصية متماسكة حية، وأنها وحدة تتألف من عناصر مختلفة كثيرة، وهي متماسكة ومتوازنة، من حيث الشكل والمحتوى بل يتداخل فيها الشكل والمحتوى على نحو لا يمكن معه تصور كل منهما على حد» (2).
ويعتقد الناقد الأمريكي «كلينث بروكس» باستحالة فصل المادة عن الشكل وبالعكس في أي حال من الأحوال لأن تركيبها قد اتحد فلا يبرز إلا كلا موحداً فيقول «إن جوهر القصيدة لا يبرز إلا كلاً موحداً، أي يستحيل علينا تجريد الجوهر وصياغته في شكل آخر، لأن الجوهر في هذه الحالة هو المركب الجديد من بناء لا ينفصل عن موسيقاه، والصور والدلالات المتشابكة والمواقف المعينة، أي القصيدة ذاتها» (3).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير