- أن يداخل الحياة الاجتماعية، ويُعالِجَ قضاياها دون أن يمتلك الأدوات الثقافية، وقواعدَ العمل الثقافي، فتكون مُداخلته محاضرة أو مشاركة في ندوة أو بحثًا في مؤتمر فكريٍّ، أو بَرْنامجًا في وسيلة إعلامية فجَّة مكشوفة الضَّحَالة، عَقِيمة الفائدة.
- إذا ربأ بنفسه عنِ الخيارات السالفة، فإنه لتحقيق فعلٍ ثقافيٍّ ناجحٍ سيتجاوَز تخصُّصه نحو الفضاء الثقافيِّ العامِّ قراءةً للفكر العامِّ، واستجماعًا لتصوُّراتٍ مُتماسِكة عن الوَاقِع الاجتماعي والحضاري، ورُكونًا إلى أُسُسٍ موضوعية ومنهجية، تجعل إسهاماته في الحياة الاجتماعية والحضارية ثقافية حائزة على شموليتها، وواقعيتها وعصريتها.
هذا طموحٌ نبيلٌ من هذا العالِم أو المُفَكِّرِ؛ لكنه يبقى محدودًا في عدد أفراده بالنسبة للمُتخصِّصين، وقاصرًا - في الغالب - عنِ امتلاكِ تلك الأُسُس؛ نتيجة الجُهْد الفرديِّ لتحقيق هذا الامتلاك، خاصة في دائرة الثقافة الإسلامية التي تستلزم من المتحرك في مجالها - من المُتخصِّصينَ في العلوم اللُّغوية والإنسانية والتَّقَنِيَّةِ - مَعْرِفةً شرعيَّة ليست تخصُّصِيَّة؛ كما لدى الفقيه الشرعيِّ؛ ولكنها معرفة تضبط له حركته الثقافيةَ من الزَّيْغ عن الحق، وتَحْمِيه من اسْتِهْواء النظريات والأفكار والمناهج المُناقِضة للإسلام، بما تَتَزيَّا به من عناوينَ، وما يضفى عليها من هالات العلمية، وصِحَّة التطبيق ونحوها.
هذه الوضعية - أقْصِدُ حاجة السَّاحة الثقافيَّة في المجتمع المسلم، والأُمَّة بالعُموم إلى المشاركة الإيجابية في جوانبها المختلفة، معالجة لمشكلاتها، ورسمًا لمسالك النهوض لها، من قِبَل المُتخصِّصينَ (علماء ومفكرين) مِنْ ذَوِي الغيرة الدينية، والرغبة الصادقة في خدمة الدين والأمة -: حَفَّزَتْ عددًا من الدوائر الثقافية؛ لاتخاذِ الوسائل التي تُلبِّي هذه الحاجة، ومن هذه الدوائر "قسم الثقافة الإسلامية" بكلية الشريعة بجامعة الإمام الذي أُنْشِئ قبل أكثر من ثلاثة عُقود؛ فقد تَنبَّه لهذه المشكلة، واتخذ مَسْلَكينِ إزاءها:
المسلك الأول: فتح دراسات عُلْيا في "الثقافة الإسلامية" في مجالات:
- القِيَم.
- والنُّظُم.
- والفِكْر وقضاياه.
تمثل تَخَصُّصًا عِلميًّا (ماجستير ودكتوراه)؛ ولكنَّه تخصُّص عِلميٌّ منفتِح على الواقع، متماسٌّ مع شُؤونِه الحيَّة؛ سواء في المرحلة الدراسية أو في الرسائل المُعَدَّة، التي تَنْأَى بنفسها عن المباحث النظرية المفْصُومة عن مشكلات الواقع، ولهذا تَبْقَى مَوْضُوعاتُها ومُعالَجاتُها مُرْتَبِطةً بما يجري في الواقع، مُسْهِمَةً في رسم التصوُّر الشرعيِّ له، وتقديم الحُلول الشرعية الوَاقعيَّة له.
وقد وَعَى المجتمعُ ودوائرُهُ الثقافية والاجتماعية رُشْدَ هذا المسلك، وقيمةَ ثَمَراته؛ ما جعل هذه الدوائر تُبَادِرُ كلَّ آنٍ بطلب طباعة رسائل القسم، ضمن إصداراتها (مؤسسة الملك فيصل - مكتبة الملك عبدالعزيز العامة - المعهد العالمي للفكر الإسلامي ... إلخ) وما جعل كثيرًا من هذه الرسائل تُرَشَّحُ لعديد من الجوائز، ويفوز عدد منها بهذه الجوائز.
المسلك الثاني: وَضْع "مُقرَّرٍ" في الثقافة الإسلامية، يُدَرَّس ضمن الساعات المنهجية لمرحلة الماجستير لطلاب مختلف التخَصُّصات العلمية (الشرعية، واللغوية، والإنسانية) بواقع مُحَاضرتَيْنِ في فصل دراسي، أو محاضرة في فصْلَيْنِ.
يهدف هذا المقرر إلى:
1 - التعريف بالعناصر التي تكوّن شخصيَّة "المثقف".
2 - ومدى تداخُل مصطلح المثقف مع مصطلحات [العالِم، المُفكِّر، الداعية .. ].
3 - التعريف بوظيفة المثقف في المُجتمع المعاصر.
4 - دراسة الواقع الثقافي في عالَمنا الإسلامي من حيث:
- تحقُّق المُنتَسبينَ للثقافة في مُخْتلف النُّخَب - إسلامية، وعصرانية - بالعناصر المؤهلة لحمل لقب مُثقَّف.
- والمنتج الثقافي لِتِلك النُّخَب من حيث وفاؤُه بِمُتطلبات حاضر الأمة حلاًّ لمشكلاتها، وارتقاءً نَهْضَوِيًّا بها.
- تدريسُ الأُسُس الموضوعيَّة والمنهجِيَّة التي تُساعِد طالب العلم المُتَخَصّص على التأهُّل لأداء رسالته الثقافيَّة في مجتمعه وأمته، والقيام بِدَوْرِه الإسلامي والإنسانِي قِيامًا ناجعًا جامعًا بين الثقافيَّة والمعاصرة معًا.
مُفْرَدَات المُقَرَّر:
¥