تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد روت كتب الأدب هذه المعارضة، وأسهبت القول فيها، وبينت لنا ما يحمله امرؤ القيس من اعتزاز بنفسه. ومع أن امرأ القيس هو الذي ماتَنَ الحارث بن التوأم اليشكري، أي باراه وعارضه في جدل وخصومة، إلاّ أن الحارث اليشكري غلبه، وكانت فرصة امرئ القيس متاحة له، ليغلب الشاعر التوأم، لأن امرأ القيس استهل أبياته بأشطرها الأولى التي خلت من القافية، والقوافي كثيراً ما تكون حجر عثرة أمام الشعراء، فنرى بعضهم يتخبط خبط عشواء أمام القوافي، فيأتي شعره ضعيفاً هلْهالاً ...

ومن المعارضات بين امرئ القيس وغيره من الشعراء، ما رواه أبو الفرج الأصبهاني، حيث قال: كانت تحت امرئ القيس امرأة من طيئ تزوجها حين جاور فيهم، فنزل به علقمة بن عبدة التميمي، فقال كل واحد منهما لصاحبه: أنا أشعر منك. فتحاكما إلى زوج امرئ القيس، فأنشد امرؤ القيس قصيدة طويلة أولها قوله:

خليليّ مُرَّا بي على أمِّ جندْبِ

نُقّضِّ لباناتِ الفؤادِ المعذَّبِ

حتى مر بقوله:

فللساق أُلهوبٌ وللسوطِ دِرّةٌ

وللزجْرِمنه وقْعُ أهوجَ مِنْعَبِ

وفرس مِنعب: بكسر الميم، وسكون النون، وفتح العين، الذي يستعين بعنقه، ويمدّه في الجري ..

ثم قال علقمة قصيدة طويلة من البحر والقافية، أولها:

ذهبْتَ من الهجْران في غير مذْهبِ

ولم يكُ حقاً كلُّ هذا التجنّبِ

وأخذ علقمة يصف حصانه وهو يطارد الصيد، حتى انتهى إلى قوله:

فأتْبع أدْبارَ الشياه بصادقٍ

حثيثٍ كغيث الرائحِ المتحلَّبِ

والحثيث: - السريع، والرائح: السحاب، والمتحلب: المتساقط، المتتابع.

وللبيت رواية أخرى ..

ويُروى البيت هكذا:

فأدْرَكه حتى ثنَى من عنانِه

يمرُّ كغيثٍ رائحٍ متحَّلبِ

وسبب جوار امرئ القيس لقبيلة طيئ، هروبه من (المنذر)، ولما سمعت أم جندب (زوج امرئ القيس)، حكمت أم جندب لعلقمة، فطلقها امرؤ القيس، وخلف عليها علقمة بن عبدة بن النعمان التميمي، فسمّي علقمة الفحْل، وقيل سمي بعلقمة الفحل، للفرق بينه وبين شاعر آخر من قومه، يقال له: علقمة الخَصيّ. وانظر الأغاني جزء 21 صفحة 224 - ,,227.

وكان علقمة الفحل من المعمَّرين، لأنه عاصر امرأ القيس، وقد مات امرؤ القيس الكندي قبل الإسلام بنحو ثمانين سنة، وعاش علقمة حتى أدرك بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يدرك الهجرة، لأنه مات سنة 620 للميلاد. وقد أعقب ولدين: علياً وخالداً، وكانا شاعرين، وكان لعلي ولد شاعر يسمى (عبدالرحمن)، وللثلاثة أشعار تلحق بديوان (علقمة الفحل) ..

وأعود إلى ما حكمت به زوج امرئ القيس التي قالت: علقمة أشعر منك، قال: وكيف، قالت: لأنك زجرت فرسك، وحركته بساقك، وضربته بسوطك. وأنه جاء هذا الصيد، ثم أدركه ثانياً من عنانه .. دون أن يضربه بسوط، وما مرى فرسه بساق. وانظر: (خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب) للبغدادي، ص284 جزء 3 طبعة دار الكاتب العربي بمصر سنة 1387ه.

فغضب امرؤ القيس وقال: ليس كما قلْتِ، ولكنك هويتِه، فطلَّقها.

والمعارضة الشعرية ترتاح إليها العرب، وتميل إليها في أسواقها في الجاهلية بعامة، وسوق عكاظ بخاصة، وعلى الشاعرين اللذين اختارا المعارضة، وهي المنافرة و المباراة والتحدّي، أنْ يوجبا على نفسيهما البحر والقافية، وأنْ يستمعا إلى النقَّاد المحكّمين الذين يقرّرون من له الغلبة، وقد تؤدي نتيجة الحكم إلى اختفاء اسم الشاعر، وطي قيده من سجل الشعراء المبرّزين ... وجاء الإسلام، وأشرقت الجزيرة العربية بنوره، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنْ يحارب العرب بسلاحها، فحاربها بالسيف أولاً، ثم بالشعر، ولما كان يوم الأحزاب، ورد الله الكافرين خاسرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحمي أعراض المسلمين؟ فقال كعب بن مالك: أنا يا رسول الله، وقال عبدالله بن رواحة: أنا يا رسول الله، وقال حسان بن ثابت: أنا يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم اهجهم أنت فإنه سيعينك الله بروح القدس.

وكان لمشركي قريش شعراء، يأتي على رأسهم: عبدالله بن الزبعْرَى، وعباس بن مرداس، وضِرار بن الخطَّاب، وغيرهم من الشعراء. وقد كثرت المعارضات بين المسلمين والمشركين، وسيطول الحديث عنها لو أسهبتُ في الكلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير