تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجاءت غزوة (أحد) بعد (بدر) وقال شعراء المشركين في هزيمتهم شعراً، عارضه شعراء المسلمين بشعر يفوق شعر شعراء المشركين. وهذه هند بنت عتبة، التي بقرت كبد حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) ولاكتها، ورمت بها. ثم ارتقت جبلا يشرف على المقاتلين، وجلجلت بصوتها، قائلة:

نحن جزيناكم بيوم بدْرِ

والحربُ بعد الحرب ذاتُ سُعْرِ

ما كان عن عتْبةَ لي من صبْرِ

ولا أخي وعمّه وبكْري

شَفيتُ نفسي وقضَيتُ نذْري

شَفيْتَ (وحّشيَّ) غليلَ صدْري

فشكرُ وحْشيّ عليَّ عمْري

حتّى ترِمَّ أعظُمي في قبْري

فأجابتها هند بنت أثاثة بن عبّاد بن المطلب، فقالت:

خَزيْتِ في بدْر وبعد بدْرِ

يا بنت وقَّاعٍ عظيمِ الكفْرِ

صبّحك الله غداةَ الفجْرِ

مِلْهاشميين الطوالِ الزُهْرِ

بكّل قطَّاعٍ حسامٍ يَفْري

حمزةُ ليْثي وعليٌّ صَقْري

إذْ رام شيْبٌ وأبوك غَدْري

فخضَّبا منه ضواحي النحْرِ

ونذْركِ السوْءَ فشرُّ نذْرِ

قال ابن هشام: تركنا منها ثلاثة أبيات أقذعت فيها. وقد هجا حسان بن ثابت (رضي الله عنه) هند بنت عتبة، ولم يذكر مؤرخو السيرة النبوية بعض شعر حسان في هجائه (هند) لأنه أقذع فيها. وانظر كتاب (الروض الأُنف) للإمام السهيلي طبعة دار الكتب الحديثة ص 15 - ص16 طبعة 1390ه.

وينبغي لي أن أقول لمن يريد أن يحجر على المرأة المسلمة ظهورها محتشمة، لممارسة نشاطها في عملها، وهي شقيقة الرجل في أدبه وعلمه وإدارته .. أقول له: على رسلك يا أخي، فإن للمرأة المسلمة دورا كبيرا، في تاريخنا العربي والإسلامي، مما لا يستطيع دعاة تحرير المرأة أن يقدموا لها أفضل ما قُدِّم لها .. واقرأ معي ما جاء عن أم عَمَارة، نسيبة بنت كعب الخزرجية، التي قاتلت مع المسلمين يوم أحد. وقد روت عنها أم سعد بنت سعد بن الربيع، أنها قالت:

خرجت أول النهار إلى أحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله، فقمت أباشر القتال، وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي، ثم قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور، فقلت لها: من أصابك بهذا؟. قالت ابن قُميئة، أقمأه الله، لما ولَّى الناس عن رسول الله، أقبل يقول: دُلّوني على محمد، فلا نجوتُ إن نجا، فاعترضتُ له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدوّ الله كان عليه درعان. وسقط لواء المشركين يوم أحد، فحملته عمرة الحارثية لقريش، فاجتمعوا حوله. وعمرة الحارثية، تنسب إلى حارثة بن عمرو بن مزيقياء، من قحطان جد جاهلي يماني،

كانت منازل بنيه عند خروجهم من اليمن بمر الظهران (بقرب مكة المكرمة)، وهم خزاعة فيما يقال .. وانظر: (كتاب المغازي) للواقدي، ففيه فصل طويل، عن هذه الصحابية الجليلة (أم عمارة).

ثم يطلع علينا بداية العصر الأموي، والخلاف قائم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ... فيخرج على المسلمين جماعات من الناس، يناوئون علياً بن أبي طالب (رضي الله عنه)، لأنه رضي بالتحكيم، ويُسمون بالخوارج، وكانوا يحملون راية الشقاق والخلاف، لا يرضون بالحكّام، ويعبثون بالأمن والسلام، حتى استأصل شأفتهم المهلَّب بن أبي صُفْرة، في خلافة عبدالملك بن مروان، ثم قام عبدالله بن الزبير بن العوام قبل ذلك، فكان له جنده وأعوانه ..

والناس كعادة الناس يتلوّنون ويظهرون بوجوه عديدة، فقرأنا عن أناس يصلّون مع علي (رضي الله عنه)، لأن الصلاة خلفه أخشع، ويجلسون على مائدة معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)، لأن طعامه أدسم .. وإني لأستعجب من موقف مسكين الدارمي (ربيعة بن عامر بن أنيف - بالتصغير - التميمي)، وهو من أشراف تميم، لقب مسكيناً لأبيات قال فيها:

وسُمّيتُ مسكيناً وكانتْ لَجاجةٌ

وإنّي لمسكين إلى الله راغبُ

وله بيت من الشعر متداول، وهو:

أخاكَ أخاكَ إنَّ من لا أخا لهُ

كساعٍ إلى الهيْجا بغيرِ سلاحِ

أتعجب من هذا الرجل الفاضل الذي يدعو إلى مبايعة يزيد بن معاوية ابن أبى سفيان، ويصرح بهذه الدعوة ويقول:

بني خلفاءِ الله مهّلاً فإنما

يُبوّؤها الرحمنُ حيثُ يريدُ

إذا المنبرُ الغربي خلاّه ربُّه

فإنَّ أمير المؤمنين يزيدُ

وكان الشاعر أعشى ربيعة، واسمه (عبدالله بن خارجة الشيباني) يقول:

وفضَّلني في الشعر واللبّ أنني

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير