ما علاقة الإحباط بالروائح؟! ليس بينهما أية علاقة وارتباط لتصنع منهما جملة برّاقة كالجمل الجميلة في أرجاء هذا النص. وقال قراقوش:
حبك مالك لحظي ولفظي
وهذا جناس جميل وهو من المحسنات البديعية التي تلفت انتباه السامع، وتجدد إصغاءه، والفرق بينهما حرف الفاء، وما أجملك يا قراقوش، وما أجمل العربية!.ولعلي أتذكره في حديثي عن البنى والتركيب. وقال قراقوش:
وساكن دمي أنت من جلى عنها الغشاوات
هنا مبالغة في حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان رسول الله لا يغيب عن تفكير أديبنا قراقوش، ودائما في قلبه، جعله الأديب ساكنا في دمه، وهذه مبالغة مكرورة توارثها الأدباء قديما، ولم يعد لها جمال يأسر فكر القارئ، وهذه المبالغة نجدها عند العوام، وهذا يزري بها في الفصحى.
وفي بقية الجملة قال: (جلى عنها الغشاوات) وهذه الجملة مجاز مرسل عقلي، فالرسول لم يجل ِّ عنها الغشاوات، بل تعاليم الإسلام هي التي جلت الغشاوات. وهنا جمال آخر وهو (الغشاوات) حيث جاء معرفة ب (أل) ونوع هذه (ال) هي عند النحويين (ال) الجنسية التي تبين نوع الجنس، فالجنس هنا هو الغشاوات أي الظلمات، والجمال أنه قال: الغشاوات، ثم صمت، كأنه يريد أن يقول: كل الغشاوات الموجودة في العالم وفي الناس تجليها تعاليم الإسلام. وقال أيضا:
وضربت بكفك على الزمان
وهو مجاز عقلي مرسل أيضا فقراقوش لم يضرب لكف رسول الله، بل ضرب بكف التعاليم الدينية،وهذه الخاطرة تحكي شبئا قديما حيث سار الصحابة فاتحين في مشارق الأرض ومغاربها. وقال أيضا:
وسرنا بربيع مغانيك
وهو العصر الحاضر حيث نعمنا بتعاليم الإسلام، ومازال المجاز العقلي المرسل حاضر على مسرح الخاطرة بجمال ملفت، والمغاني جمع مغنى حيث السرور وكل فرح وزيادة فالسمر مع الأحباب مغنى، والبستان الجميل مغنى، وهذه دلالة جميلة بعيدة المرمى حين وظفها الأديب هنا. وقال قراقوش:
ورددت صداه أمم من العجم آمنت
ومازال المجاز العقلي مرسلا:) وهو: صدى الرسول في تعاليم الإسلام، وترديد الناس؛ فالناس لا يرددون الصدى، بل يرددون تعاليم الدين. وحجر الزاوية في هذا المجاز هو (العجم)، وجمالها هو كأن الأديب يقول: قد عم الصدى العرب، وهاؤم العجم اليوم يرددون الصدى، وفيها دلالة على انتشار الإسلام في كل مكان. وقال قراقوش:
وخطبت على منبر الدهر أن لا فتور
استعارة بقمة الروعة، ولو لم يكن لقراقوش إلا هذه لكفى، وتبدو مستلهمة من تراثنا الجميل فكثيرا ما ردد الأدباء أن الطيور تخطب على الأغصان بتغريدها
والجمال هنا ليس الخطابة على المنبر، بل الخطابة على منبر الدهر كله، حيث جعل الرسول خطيبا في كل زمان ومكان على منبر الدنيا. ومن الموسيقى الداخلية قول قراقوش:
حتى استضلعنا جميعا بمعانيك .. وسرنا بربيع مغانيك .. فالصلاة والسلام عليك ..
وهنا سجع لطيف له نغمة تتأرجح بالقارئ نشوة وطربا.
هذا لسان حاله وقاله
وهذا جناس بين حاله وقاله، وجماله في التوافق ليحدث نغما وجرسا ناعما ملفتا. قال قراقوش:
وتواريت كالمخبأة
وهنا تشبيه جميل حذف من المشبه، وهو المخاطب أنا وأنت ... والجمال في حذفه لفت الفكر. ومن هي المخبأة؟! هي المرأة العذراء، وفي تصوري أن قراقوش رجل مطلع على الأدب، وسوف أضع يدك - أخي القارئ - على صدق هذه الكلمة في الحديث عن التضمين.وأعود إلى (المخبأة) قلت: يبدو لي أنه استلهم هذه المفردة من قول المهلهل بن ربيعة (الزير سالم) حين قال:
على أن لييس عدلا من كليب * إذا برزت مخبأة الخدور
وإن كنت أستلطف (المخبأة) كذا إلا أنني أجد في نفسي عليها؛ لأنها توهم بعض الشيء، وهذا لا يقلل من جمالها.
ومن الموسيقى الداخلية الصاخبة الملفتة النظر في النص الثري هو:
التضمين: وهو فن من فنون الكلام ومضمار يتنافس فيه البلغاء، ولكن بحذر فهيا إلى النص. قال حبيبنا قراقوش:
ولن أبرح الدعوة ولو كذبني القريب حتى تؤمنوا .. ولا تطبق الأخشبين .. ولو وضعوا الشمس في يميني ما ضعفت عن التبليغ .. ولو وهبوا القمر .. ما توانيت عن عزمي .. ولا أزال أنا النبي .. وخير المؤمن القوي.
¥