وهذه الكلمات مستوحاة من كلام رسول الله في بداية الدعوة حين ساومه المشركون بالدعوة إلى الله.وكلام الرسول مشهور ,
وتواريت كالمخبأة
وقد نبهت عن هذه حين وضحت بلاغتها.
وذي الثمار من الشجر ترمى بالحجارة
وهذه الكلمات مستوحاة من الحكمة التي تقول: لا ترمى إلا الشجرة المثمرة.
ولو قعدت مع الخالفين .. وتواريت كالمخبأة .. ولم تعمل .. ما نقدك الناقدون .. ولا قدحك القادحون
قوله: (قعدت مع الخالفين) كأنني ألمح فيها اقتباسا من قوله تعالى: (أن يقعدوا مع الخوالف) من سورة التوية، وبقية الكلام مستلٌّ من الحكمة التي تقول: إذا أردت أن تتحاشى النقد، فلا تعمل شيئا، ولا تقل شيئا.
ومن التضمين قوله:
وربما تضرس بأنياب .. وقد توطأ بمنسم
وهو استيحاء من معلقة زهير بن أبي سلمى الشهيرة، وهو قول زهير:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومن التضمين قوله:
فتشبهوا إن لم تكونوا
ويبدو لي أنه مستوحًى من خطبة كعب بن لؤي جد الرسول - صلى الله عليه وسل- حيث قال: (تعلّموا تعْلموا، وتفهّموا تفْهموا ... ) والخطبة شهيرة استوحى الأدباء كثيرا من أساليبها. ومن التضمين قوله:
وخير المؤمن القوي
وهذا استله الأديب استلالا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله ... ). ومن التضمين قول قراقوش:
وعند جهينة الخبر اليقين
وهذا مثل مشهور.
وهذا التضمين يدل على سعة أفق الأديب قراقوش الأدبي واطلاعه الثري على نصوص العربية.
أما أنا فلا أحمد كثرة التضمين في النص؛ لأن التضمين - أصلا - من الإبداعات التي عرفها القارئ، وذاق جمالها، والقارئ ينتظر إبداع الأديب أيا كان، وماذا يحدث لو حذفنا هذه التضمينات من النص؟ سوف نخسر شطرا كبيرا من الخاطرة الجميلة، وليكن ِ التضمينُ في النصوص بحذر ٍ شديد؟
وأتذكر قطعة شعرية لابن زيدون يقول فيها:
هل تذكرون غريبا عاده شجن * من ذكركم وجفا أجفانه الوسن
يخفي لواعجه والشوق يفظحه * فقد تساوى لديه السر والعلن
يا ويلتاه أيبقى في جوانحه * فؤاده وهو في الأضعان مرتهن
هل تذكرون عهودا لا أضيعها * إن الكرام بحفظ العهد تمتحن
وأفردته الليالي من أحبته * فبات ينشدها مما جنى الزمن
بم التعلل لا أهل ولا وطن * ولا نديم ولا كأس ولا سكن.
انظر كيف تعامل ابن زيدون مع التضمين في قصيدته حيث خطف بيت المتنبي الأخير من غير أن يشعر القارئ أن البيت الأخير الذي سوف يباغته للمتنبي.
ومن جماليات النص - أيضا - البنى والتراكيب:
- البنى والتراكيب:
- منها المفردات الجزلة الفخمة الراقية التي وُضِعَت بدهاء الأدباء وأبهة أساطين البلاغة والبيان، وأذكر من هذه المفردات التي ساعدت على رفع راية الخاطرة في سماء الإبداع:
مجامع - تلابيب - توصد - كوة - استضلعنا - الأخشبين -
تضرس - منسم - المخبأة - اطّرح - الأضغان
كيف كانت المفردات جميلة، وهي مجرد كلمات؟!
الجواب: لأن هذه المفردات أدت المعنى المراد منها بكل اقتدار، وكأن المعنى الذي يريده أيبنا قراقوش لا يصلح له إلا هذه المفردات الجزلة، وهذه جهة، ومن جهة أخرى أن هذه المفردات أعلى من مستوى القارئ العادي الذي يستطيع أن يكتب كلاما مثل أي شخص، ولكن هذه المفردات تدلنا على خصوصية قراقوش، وأنه ليس أديبا أو قارئا عاديا، فهو مختلف بمخزونه اللغوي الثري.
وتسيطر على الخاطرة الجزالة من البداية للنهاية، وفيها رَوْحَة ٌ جميلة تهب صبًا بالحكمة. ومن التراكيب الجميلة قول أديبنا قراقوش:
حتى استضلعنا جميعا بمعانيك
صيغة استفعل التي تدل على الطلب، وتعني هنا شدة الإقدام على تعاليم الإسلام وتلمس حكمه ومعانيها وهو تركيب جذاب وبراق وجميل. ومن التراكيب الجميل أيضا، ولقد أعجبني كثيرا قوله:
وذي الثمار
هذه جملة جميلة رائعة من حيث كان في التركيب جدة وحلاوة، والمقصود: وهذي الثمار. ومن جميل التراكيب أيضا قوله:
فاطّرح الأضغان
اطرح وفيها زيادة في المبنى، والزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المبنى
والأضغان جمع ضِغن، وهو ما يكون في الصدر من الغضب.
والتركيب بمنتهى الجمال حيث دل فعل الأمر على شدة الأمرية في ترك الأضغان وذلك من تركيبه.
ويظهر قلق المفردات في مواطن متعددة، وذلك قوله:
¥