تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمر قد يأنف كثير منهم من توليه لأنه كما يقال عندنا في مصر: قلة قيمة!، إذ كيف يترك عالم أو فاضل مهامه ليحكم بين فريقي كرة!، ولكنها لم تصر حكومة كرة، وإنما أصبحت حكومة نفوس في كلا البلدين تحس بالإهانة، وبطبيعة الحال الأمر لا يعدو كونه فكرة فلا الساسة أصلا في كلا البلدين يستمعون لأهل العلم أو يعظمونهم، بل مصلحتهم من وجه: استمرار اشتعال الأمر لإشغال الناس وضمان التفافهم خلف قيادتهم الحكيمة في تلك المعركة الوهمية التي تكلمت عليها حتى الصحف الأوروبية كصحيفة: "الإكسبرس" الفرنسية واصفة إياها بالتمثيلية لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الحقيقية، فلا صوت الآن يعلو على صوت النعرة الجاهلية: نعرة داحس والغبراء، والحمد لله، كما يتندر البعض، أنه لا توجد حدود مشتركة بين البلدين.

وقد انتصرت الجزائر وبدأت من الآن الاستعدادات لمعركة المونديال وأخذت مصر استراحة محارب تمهيدا لأول لقاء يجمع البلدين، ورد الأمر في هذه المعارك إلى كتلة هلامية يغلب عليها التفلت وقلة الأدب من جماهير الكرة، وهذا خلق معظمهم في كل الدول تقريبا، فهم وقود كل فتنة ولا يمكن محاسبتهم شرعا أو قانونا، والله أعلم، إذ لو تشاجر ألف مع ألف فقتل خمسة أو تحرش بامرأة أو اثنتين كيف يمكن القصاص لمن غُدر؟!.

أحد الشباب في مصر يقول لي بلغتنا الدارجة: "العلاقات بين مصر والجزائر خلاص! "، ولا أدري: أي خلاص هذا؟، وآخر حدث في سن الأول في تسجيل عرضته بعض الفضائيات يرتدي فانلة المنتخب الوطني الجزائري داعيا الجماهير إلى قطع العلاقات مع مصر مع مشاهد لشباب يحملون سكاكين، والله أعلم بصحة الصور خاصة، فالتسجيل غير مستبعد لا سيما مع كثرة تلك التسجيلات على اليوتيوب، فأي أحد الآن يستطيع تسجيل بيان عسكري! وإذاعته على اليوتيوب وهؤلاء هم صناع القرار في البلدين في زمن الفتن!، فقد تولى كل منهما منصب وزير الخارجية في بلده وقرر قطع العلاقات مع البلد الآخر، والساسة والإعلام يتسلى ويسترزق من هذه المعارك فمصائب أمم عند حكامها فوائد!، فلا تنشر مقالات لأمثال الدكتور القرضاوي كما ذكر في برنامج الشريعة والحياة تدعو للتهدئة قبل المباراة إذ ذلك يفسد السيناريو المرسوم ويتم التركيز على الخسائر والتضخيم لضمان الشحن الكامل لجموع المقاتلين.

والمثير للسخرية أن وزير الخارجية المصري يشترط على المسئولين السودانيين الذين قدموا مبادرة كالمبادرة العربية في قمة بيروت! لحل الخلاف، فيبدي قلقه للخسائر المادية المصرية في الجزائر، فليس مهما ترويع الآمنين أو الفتنة التي اشتعلت وفساد ذات البين الذي وقع، وإنما المهم مبنى شركة مصر للطيران وبقية المباني، وأنا بدوري أبدي قلقي على قواه العقلية، وإن كانت الخسائر المادية جزءا من الخسائر ولكنها أهون الخسائر فماذا يساوي هذا إزاء سفك دم في الأشهر الحرم أو تحرش بمسلمة هنا أو هناك مع ملاحظة أن معركة الخرطوم كانت في غرة ذي الحجة أول الأيام العشر التي هي أفضل أيام الدنيا!، فكم من تلك الجماهير العريضة من البلدين قد صلى قبل أن يأتي لمشاهدة المباراة أو كان صائما، أو حتى ذكر الباري، عز وجل، وعندنا في مصر أغلقت المحال أبوابها واحتشد الناس خلف الشاشات وخف الضغط على المساجد مع أن المباراة كانت بعد العشاء بنحو ساعة حتى قال لي أحد الإخوة الفضلاء وهو إمامنا متندرا: "أقم الصلاة ما حدش حيجي علشان المطش! "، ولست بالمؤذن أو المقيم وإنما أحتفظ بمفتاح للمسجد فقمت بفتحه في ذلك اليوم لأنه لم يأت أحد أصلا لفتحه!، وبعد المباراة صمت رهيب من شعب تعود السهر حتى الصباح وكأن مصيبة قد حلت بنا وتندرت الأسرة عندنا قبل المباراة بأن شعبا بأكملة سيبات الليلة حزينا وآخر سيبات فرحا!

وماذا خسرت مصر بخروجها من التصفيات، وليتها خرجت ابتداء لتفادي تلك النازلة.

وما حدث هو تأويل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ.

والإشكال أن التحريش كان علنيا في الفضائيات فلم يكن تصرفا فرديا من فرد هنا أو هناك، وإنما طال كلا الأمتين.

اللهم أصلح ذات بين الأمتين اللتين تحارشتا وتهارشتا وتسابتا وتلاعنتا في الأشهر الحرم من أجل التأهل إلى المونديال!.

ولو أبرقوا إلى الفيفا ليمنع وقوع البلدين في أي تصفية مقبلة أو لينقل بلدا منهما إلى تصفيات قارة أخرى لكان أفضل!.

قد يتهمني بعض الأفاضل بالمبالغة ولكنها صورة واقعة فيها كثير من الافتعال سيدركه المسلمون في كلا البلدين بعد زوال السكرة ومجيء الفكرة، فيدركون أننا كنا ضحية كذبة أحسنت كل الأطراف استغلالها الساسة، الإعلام، الأعداء ..... ، إلا نحن. فنحن الخاسر الوحيد بفصم عرى الولاء والبراء بيننا وبين إخواننا من أجل هذا السبب.

وإلى الله المشتكى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير