تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالأسطورة بمثابة تفسير يقوم به الإنسان لأسرار لا يفهمها , علما بأن السرد الذي تبتكره قد يضفي عليه الإنسان قيمة دينية واضحة) (25) فإن (على القاص إجراء التحويرات اللازمة لكي تلائم الأسطورة منطق البناء القصصي الموائم للعصر) (26) فبجماليون ينصح بطل القصة بأنه يستطيع بث الروح في التمثال الشمعي إن كان مؤمنا بذلك فعندما فشل بطل القصة في بث الحياة للتمثال قال له بجماليون (لم تكن مؤمنا ـــ بم؟ ــ بمصداقية ما تفعل (( ... )) كنت في تلك البقعة التي تفصل بين الشك واليقين , فاخترت الأول (( ... )) هذا هو خطؤكم ... ضيق الخيال ... ) (27).

وحدة التلبثة في القصص

ونقصد بها أن القصص الأربعة ذات وشيجة تخاطرية تليباثية مع بعضها البعض , بل يمكن القول إن القصة الأولى قد تخاطرت مع القصص الأخرى وانطلقت (من خلال تصور العلاقة بين اللغة والتوصيل) (28) وأسلفنا الكلام بأن ثيمة القصة الأولى تقوم على توظيف ظاهرة التليباثي مع الآخر والتناغم معه وتحريكه وربما إحيائه!! وقد امتدت هذه الظاهرة وتخاطرت و (تتلبثت) ولعل القاص أراد أن يلفت النظر إلى أهمية ونقاوة هذا النوع من الاتصال الشفاف , وإن لجوء القاص إلى هذه التقنية لربما (محاولة تعويضية لما يصعب تحقيقه في الواقع ولتحقيق تناول رمزي يهدف إلى تحفيز وعي الناس وتفكيرهم بالحاجة لأهمية التغيير الاجتماعي) (29) ففي قصة (الملحمة) ترد بعض النصوص مما له ارتباط بالقصة الأولى (تليباثي) والتي أشارت إلى التخاطر ولو تأملنا هذه النصوص لوجدنا أنها ذات وشائج قريبة والنصوص هي (ارتقائه إلى مرتبة المتصوفة والتخاطريين) (30) و (انه يحاول أن يبعث رسالة , استلم وشوشة غامضة بها شفرات وصل ومحبة (( ... )) انه يمارس معي لعبة التخاطر (31) و (إن الإشارة التي يرسلها احد الحضور .... ) (32) و (يلتقط كياني الإشارة من جديد) (33) و (إنني استلم إشارته بوضوح) (34) و (إن إشارته أو قابليته على التخاطر ستتطور) (35) وفي قصة (الصورة الأخيرة) إشارات خفيفة وردت ضمنيا للتخاطر والتأمل الداخلي لـ (تستنبط غموض النفس الإنسانية وشطحات الروح) (36) وتأتي القصة الأخيرة (الأقاصي) لتعلن هيمنة التخاطر على متنها (صار جسدي كله لاقطة كبيرة حساسة (( ... )) لم اخطيء الإشارة التي التقطتها مجساتي) (37) و (لغة التخاطب بيني وبين الطير) (38) ومما لاشك فيه أن هذه المهيمنات الملتقطة تخاطريا للآخر ماهي إلا اقتناص للذات الضائعة وترجمة للأغتراب الإنساني , إن توظيف الإشارات حول التخاطر واستلام الإشارات وبثها لم يكن اعتباطيا بل جاء مقصودا ذا دلالة , فالقصة القصيرة اليوم (أقصت الواقع اليومي متكئة على قناعتها بقدرة الذهن على توليد حالات قصصية من خلال الهواجس والمخاوف وأحلام اليقظة والكوابيس) (39).

كان للأصابع حضور اتصالي واضح تمظهر في هذه القصص (مد أصابعه يتلمس التفاصيل بانتشاء غامر) (40) فالأصابع في بدايتها ولاسيما في قصة تليباثي عادية لامسة متحسسة بيد أنها تتحول إلى أداة اتصال تخاطري فاعل مع الآخر (مد سبابته المرتعشة نحو الحلمتين) (41) و (بالسبابة والوسطى فرك الشفتين المكتنزتين) (42) و (ثم مد سبابته نحو التمثال ... ) (43) بعد ذلك أصبحت السبابة اتصال شفيف مع التمثال (وتلامست السبابتان) (44) و (مد الآخر سبابته وإبهامه) (45) وغيرها من النصوص في هذه القصة (46) بغية توثيق الاتصال وشحن الطقوس التخاطرية عن طريق الإشارة واللمس بالأصابع , كما اتخذت الأصابع حضورا في بقية القصص (الملحمة والصورة الأخيرة والأقاصي) (47) حيث امتدت الأنامل على فضاءات هذه القصص معلنة الاتصال بالآخر والإحساس بوجوده وتحسسه , بعدها رمزا موحدا للمعنى المطروح ومثلت (دلالة ما فوق الرمز (( ... )) لتوصله إلى خلق نظام داخلي معين في عمله الأدبي) (48) إن اعتماد حاسة اللمس والإشارة كأداة اتصال وتحسس لا تعتمد على اللغة يمنحنا الحق في إعادة السؤال الذي طرحه القاص على لسان بطله (هل أنا تليباثي؟!).

السرد والحوار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير