[علماء في ذاكرة الأمة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى]
ـ[محمد المصري]ــــــــ[12 Apr 2008, 09:55 ص]ـ
رواد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الشيخ عبد الحميد بن باديس
في مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، ومن أسرة عريقة في المجد والثراء والعلم وُلد الشيخ عبد الحميد بن باديس عام 1308 ه/1889م، فهو ينتسب إلى الأسرة الباديسية المشهورة في التاريخ.
فالمعز بن باديس (406 - 453) هو الذي أبعد النفوذ العُبيدي (الفاطمي) عن المغرب، وعمل على تنظيم انفصال المغرب الإسلامي سياسياً ومذهبياً عن الحكم العبيدي، وحارب الشيعة الرافضة في إفريقية، وحمل الناس على اعتناق المذهب السني، وكان الشيخ عبد الحميد يفتخر بأعمال هذا الجد، أما والده محمد المصطفى فهو من كبار الموظفين والوجهاء في قسنطينة، وعضو المجلس الجزائري الأعلى، وقد عرف دائماً بدفاعه عن مطالب السكان المسلمين في قسنطينة، يقول عنه ابنه: (إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي رباني تربية صالحة ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها، ومشرباً أرده، وقاتني وأعاشني وبراني كالسهم وراشني وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً .. ) [1].
فهذا الوالد لم يحاول ثني الشيخ عن أي عمل يقوم به في الدعوة كعادة الآباء الذين في مثل وظيفته ووجاهته، كما أنه لم يُلحِقه بالمدارس الفرنسية كغيره من أبناء العائلات الكبيرة.
نشأ ابن باديس في بيئة علمية، فقد حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ثم تتلمذ على الشيخ (أحمد أبو حمدان الونيسي)، فكان من أوائل الشيوخ الذين لهم أثر طيب في اتجاهه الديني، ولا ينسى ابن باديس أبداً وصية هذا الشيخ له: (اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة)، بل أخذ عليه عهداً ألا يقرب الوظائف الحكومية عند فرنسا.
في جامع الزيتونة: في عام 1908 قرر ابن باديس - وهو الشاب المتعطش للعلم - أن يبدأ رحلته العلمية الأولى إلى تونس، وفى رحاب جامع الزيتونة الذي كان مقراً كبيراً للعلم والعلماء يُشبه في ذلك الأزهر في مصر.
وفي الزيتونة تفتحت آفاقه، وعبّ من العلم عبًّا، والتقى بالعلماء الذين كان لهم تأثير كبير في شخصيته وتوجهاته، مثل الشيخ محمد النخلي الذي غرس في عقل ابن باديس غرسة الإصلاح وعدم تقليد الشيوخ، وأبان له عن المنهج الصحيح في فهم القرآن.
كما أثار فيه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور حب العربية وتذوّق جمالها، ويرجع الفضل للشيخ البشير صفر في الاهتمام بالتاريخ ومشكلات المسلمين المعاصرة وكيفية التخلص من الاستعمار الغربي وآثاره.
تخرج الشيخ من الزيتونة عام 1912 وبقي عاماً آخر للتدريس حسب ما تقتضيه تقاليد هذه الجامعة، وعندما رجع إلى الجزائر شرع على الفور بإلقاء دروس في الجامع الكبير في قسنطينة، ولكن خصوم الإصلاح تحركوا لمنعه، فقرر القيام برحلة ثانية لزيارة أقطار المشرق العربي.
في المدينة النبوية: بعد أداء فريضة الحج مكث الشيخ ابن باديس في المدينة المنورة ثلاثة أشهر،ألقى خلالها دروساً في المسجد النبوي، والتقى بشيخه السابق (أبو حمدان الونيسي) وتعرف على رفيق دربه ونضاله - فيما بعد - الشيخ البشير الإبراهيمي.
وكان هذا التعارف من أنعم اللقاءات وأبركها، فقد تحادثا طويلاً عن طرق الإصلاح في الجزائر واتفقا على خطة واضحة في ذلك.
وفي المدينة اقترح عليه شيخه (الونيسي) الإقامة والهجرة الدائمة، ولكن الشيخ (حسين أحمد الهندي) المقيم في المدينة أشار عليه بالرجوع للجزائر لحاجتها إليه، فكانت خير نصيحة.
زار ابن باديس بعد مغادرته الحجاز بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وأعلام الدعوة السلفية، وزار الأزهر واتصل بالشيخ بخيت المطيعي حاملاً له رسالة من الشيخ (الونيسي).
¥