[في مؤتمر بمكتبة الإسكندرية: كشف المستور في التراث العربي غير المنشور]
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[12 May 2008, 06:16 م]ـ
[في مؤتمر بمكتبة الإسكندرية: كشف المستور في التراث العربي غير المنشور]
حسام عبد القادر
* صحفى مصرى وعضو مجلس إدارة اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
المصدر: إسلام أونلاين ( http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209357414568&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout)
قد يظن البعض أن المطوي أو المخفي أو الضائع من التراث والمخطوطات هو جزء ضئيل قد نبحث عنه إذا ما توفر لنا ترف الوقت وفضل الجهد .. لكن الحقيقة بخلاف ذلك تمامًا؛ إذ إن المعلوم والمنشور من تراثنا إنما هو الجزء الأقل، فالتراث العربي والإسلامي في مجمله لم يزل مجهولا؛ نظرًا لأن المنشور منه لا يزيد عن خمسة بالمائة من مجموعه العام ..
كشف عن هذه الحقيقة الصادمة الدكتور يوسف زيدان خلال مؤتمر "المخطوطات المطوية" والذي عقد بمكتبة الإسكندرية، مؤكدًا أن كل الذين قدموا "قراءات تراثية" اعتمدوا فقط على المنشور والمشهور منه، وهو أقل القليل، وهو مجهول بحكم منطق الإلغاء والتغييب لجوانب معينة منه؛ نظرًا لغلبة التعامل النفعي مع التراث، وهو مجهول بحكم اغترابنا عنه وبحكم غياب الخطة المنهجية للتعامل معه، وبحكم انعدام الرؤية العامة لأولويات التعرف إلى جوانبه المتعددة، وبحكم عدم الاعتراف بدوره الحيوي في صياغة تراث الإنسانية.
ويضيف الدكتور يوسف زيدان لـ"إسلام أون لاين. نت" قائلا: "إننا عندما طرحنا مفهوم المخطوطات المطوية فإنما نسعى حثيثًا لتبديد حالة الجهالة التراثية العامة، وإصلاح القصور الشديد في صناعة المعرفة العميقة بالتراث والمخطوطات؛ أملا في توجيه الأنظار إلى أهمية "المطوى" من المخطوطات, فللطي والإخفاء تراث إنساني طويل بدأ من قبل أن يبدأ تراثنا العربي الإسلامي ذاته.
فقد طوت مصر القديمة أغلب علومها وأخفتها خلف جدران المعابد، ولكن بقيت الشواهد والشواهق الخالدة، ولاح القبس واللمعات العلمية التي اقتنصها اليونان الأوائل وطورها الإسكندرانيون من بعد أدلة مخبرة عن علوم قديمة جمة، لم تجد لها حملة في الزمن المصري المسيحي، ولولا برديات متفرقات نجت من فعل الزمان وقصد الإخفاء والطي لما عرفنا اليوم أي شيء عن علوم مصر القديمة.
و هذه الشذرات التي بقيت بأيدينا متمثلة مثلا في بردية إدوين سميث وبردية كاهون، وبردية برلين وهي البرديات الطبية الثلاثة الشهيرة، الباقية إلى يومنا هذا، لا تدل دلالة كافية على ما وصلت إليه مصر القديمة في مجال الطب، ولا تكشف لنا -مثلا- عما نسميه اليوم "سر التحنيط" المرتبط بالمعارف الطبية التي كانت مطوية بيد الكهنة، فصارت مخفية عن أعين الأجيال اللاحقة، ثم غدت اليوم معدومة تمامًا.
"صحائف إدريس"
والأعجب مما سبق شغف الناس بإيجاد المطوى من النصوص، أو ما يعتقدون أنه مطوى، حتى وإن كان النص لم يوجد أصلا، وعلى هذا الأمر أمثلة كثيرة أكثرها طرافة ما نراه في العصور الإسلامية المبكرة؛ حيث اختلق بعضهم "صحائف إدريس" التي ورد ذكرها، ولم ير الناس نصها، وها هي مخطوطة نادرة من "صحائف إدريس" يعود تاريخ نسخها إلى سنة 468 هجرية، ونسختها الفريدة ظلت مطوية بأرشيف الجامعة الأمريكية ببيروت، حتى عثرت عليها صدفة قبل عشر سنوات ..
وقد استمر تقليد الاختلاق هذا حتى عصور متأخرة، ففي القرن العاشر الهجري وما تلاه ظهرت نصوص ورد عنها خبر إلهي ولم يرد لها نص قط هي صحف موسى وكتاب الزبور المنسوب لداود النبي، وهى مخطوطات كثيرة تفوح بروح إسلامية خالصة وتتجلى بين سطورها دلائل الوضع والاختلاق، وقد رأيت منها في السنوات الماضية عدة نسخ خطية في مجموعات: بلدية الإسكندرية، وجامعة القاهرة، والمعهد الديني، وأعتقد أن هناك نسخًا أخرى مخطوطة في عديد من المجموعات الخطية الكبرى.
¥