[تحرير البحث العلمي المجرد]
ـ[الحسن محمد ماديك]ــــــــ[05 Jan 2008, 10:59 م]ـ
[تحرير البحث العلمي المجرد]
الحسن محمد ماديك
إن البحث العلمي المجرد أيا كان ميدانه هو الخطوة الصحيحة على الطريق الموصل إلى سعادة البشرية التي لن تحقق نجاحا أو تقدما في علم من العلوم التجريبية أو التقنية أو الدينية أو الأدبية أو الإنسانية إلا به، ولكل تخصص علمي أدواته ووسائله الخاصة به يتمكن بها الباحثون المتخصصون من التقدم العلمي إن لم يتعثروا في هوة الانحطاط بسبب الأخطاء العلمية أو المنهجية.
وإنما الثابت المقدس هو الحقيقة العلمية الابتدائية أو المتوسطة أو الكلية، سواء اطلع عليها الناس أم غابت عنهم، وسواء وافقوها أم خالفوها بعضهم أو جميعهم، ولن يصح اتخاذ الإجماع معيارا لمعرفة الحق أو الحقائق العلمية كما شاع وذاع في بعض العلوم أكثر من غيرها إذ كان على رأس أخطاء الباحثين فيها اعتبار الإجماع دليلا على أن المجمع عليه من الحقائق المقدسة التي يجب وصف مخالفها بالشذوذ والردة كما شذ " كاليلي " إلى الحقيقة العلمية يوم قال بدوران الأرض وخالف ما أجمع عليه أهل الأرض يومئذ، وكان إعدامه إعلانا لنشأة خطإ منهجي ارتضاه رجال الدين في الكنيسة يقضي بمصادرة حرية الرأي والفكر والاجتهاد ويقضي بفرض التقليد، قضاء باسم الدين وباسم الله كذبا وافتراء.
ولقد أخطأ رجال الدين في الكنيسة الذين أعدموا " كاليلي " خطأين منهجيين: أولهما أن حسبوا فهمهم للكتاب المنزل أي فقههم منه معيارا للحق فقدّسوا فقههم ووصفوا بالكفر والردة كل من خالفه وعاقبوه باسم الله كذبا وافتراء عليه، وثانيهما أن فرضوا التقليد على الناس وأغلقوا دون الاجتهاد والبحث العلمي بابا وخدّروا العقول لئلا تفكر أو تتأمل أكثر أو أبعد مما توصل إليه رجال الدين يومئذ.
ولا يزال الخطأ المنهجي ينأى بصاحبه عن موافقة الحق سواء كان متعمّدا أو من غير قصد، وليت شعري ما الفرق بين رجال الدين الذين أعدموا " كاليلي " وبين فرعون ذي الأوتاد الذي أعدم السحرة أن آمنوا برب العالمين قبل أن يأذن لهم، كلاهما صادر حرية الرأي والتأمل والفكر أي قيّد البحث العلمي المجرد وفرض التقليد وأغلق باب الاجتهاد ووأد الإبداع.
إن فرعون قد قال لقومه كما في قوله ? قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ? غافر 29 ومن المثاني معه قوله ? وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ? القصص 38 ويعني أنه قد حجر على سمعهم وأبصارهم وآرائهم وفرض عليهم تقليده وأن لا يروا رأيا إلا رأيا رآه هو لهم ولا يعلموا من العلم إلا ما علمه هو لهم.
ولا يزال رجال الدين على نفس الخطإ إلى يومنا هذا ويبتعدون يوما بعد يوم عن البحث العلمي المجرد بسبب الأخطاء المنهجية المذكورة.
وإنما التقليد بدعة اقتبسوها من منهج فرعون واتخذوه دينا وفرضوه على الأجيال اللاحقة، وكلما ازداد المتأخرون في تقليد من سبقهم رغم الأخطاء المنهجية أو العلمية ازدادوا انحطاطا وردة وقهقرى عن التقدم العلمي.
وإن الكتاب المنزل على خاتم النبيين ? لبريء من فرض التقليد ومصادرة حرية الرأي والفكر والتأمل والاجتهاد والبحث العلمي.
وإن أكبر الكليات وأقدس المقدسات لحقيقة وحدانية الله وأن لا شريك له وأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ ولا شبيه ولا مثل ولا ند، وتضمن القرآن والكتاب المنزل من عند الله هذه الحقائق دون أن يصادر حرية الرأي والتأمل والفكر والبحث العلمي ودون أن يفرض تقليدها على الناس ومنهم المخالفون، وإنما بالأمر باستعمال كافة أدوات البحث العلمي كالسمع والبصر والتأمل والفكر والعقل كما في قوله:
• ? أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ? النمل 64
• ? أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم ? الأنبياء 24
• ? ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ? الفلاح 117
• ? إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذن شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين ? الكهف 13 ـ 15
¥