تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[خلوصي]ــــــــ[10 Oct 2008, 01:35 م]ـ

الرسالة الأولى: شمول الاجتهاد في الدين ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن من أعظم الأمور التي فرقت المسلمين إلى شيع وأحزاب اختلاف بعض أهل العلم في أمور العقيدة، ثم ما ترتب على ذلك من انتقادات واتهامات وبراءة أحيانًا!! فقد حكم بعض العلماء على مخالفيهم بالابتداع والضلال والفسق وأحيانًا بالكفر، وامتُحن بعضهم فحصل له شيء من الأذى.

وهذه الأحكام التي ترتبت على الخلاف العقدي كانت من أبرز الأسباب التي حالت دون اجتماع جماعة المسلمين؛ وذلك لأن عامة المسلمين وطلاب العلم وأساتذته بمختلف أنواعه تبع لعلماء الدين، فإذا كان علماء الدين يطعن بعضهم ببعض في العقيدة؛ فكيف يجتمعون؟! وإذا لم يجتمعوا فكيف يجتمع سائر المسلمين؟!

أما الخلاف ذاته بين العلماء فقد وجد بين الصحابة رضي الله عنهم في الأمور العلمية كالعقائد، والأمور العملية كالفقه، وإن كان قليلاً في أمور العقيدة؛ كخلافهم في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا، وهل يعذَّب الميت ببكاء أهله عليه أم لا؟ ولكن لم يكن له أثر في إضعاف جماعتهم، كما أن الخلاف في الأمور العملية التي أصبح العلماء يطلقون عليها "الفقه" قد وجد بعد الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن له أثر في إضعاف الجماعة إلا قليلاً، وذلك لأنه لم يترتب عليه أحكام بالبدعة والضلال والفسوق والكفر.

ولقد حصل في هذا العصر من بعض طلاب العلم أنواع من السلوك الشاذ؛ مثل عدم السلام على المخالف، وعدم الصلاة خلفه، بسبب الخلافات العقدية!!

ولقد أبلغني بعض طلابي من المعهد العالي لإعداد الأئمة والدعاة في عدة دورات ما يجري في البلاد الإسلامية من تطاحن بين بعض أفراد الجماعات الإسلامية وتبادل الاتهامات، وأن أكثر ذلك راجع إلى الخلاف في أمور العقيدة، وخاصة ما يتعلق بالأسماء والصفات.

كما أنني علمت عن ظاهرة انتشار الغلو في بعض المجتمعات فيما يتعلق بالحكم على علماء الدين، حيث بدأت تظهر من بعض طلاب العلم اتهامات لبعض أكابر العلماء بالابتداع والضلال، حتى إن بعض طلاب العلم قاموا بإحراق بعض الكتب المهمة مثل "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني؛ لما تحتوي عليه تلك الكتب

في -نظرهم- من الضلال والبدع.

ولقد كان ذلك وما سيأتي ذكره مما دفعني إلى نشر هذه الرسالة؛ لعل ذلك يخفف من المعركة المحتدمة بين طلاب العلم، وخاصة الدعاة إلى الله تعالى الذين تنتظر الأمة خلاصها على أيديهم من هذا الوضع المتردي الذي نعيش فيه.

بل لعل ما تحتوي عليه هذه الرسالة من محاولة الإصلاح يكون سببًا في تآلف القلوب وجمع الشمل، وتوحيد الصف نحو جهاد الأعداء.

هذا؛ وإنني لم أكتب هذه الرسالة للترجيح بين أقوال العلماء المختلفين، ولا لبيان الصواب منها من الخطأ، فإن هذا قد يتعارض مع الأهداف من تحرير هذه الرسالة؛ التي قصدت منها تقريب وجهات النظر بين أهل العلم الديني، وأن ينظر بعضهم إلى بعض نظرة محبة وتقدير، وأن يعذر بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه مما يسوغ فيه الاختلاف، وأن يحكموا على مخالفيهم بأنهم قد اجتهدوا فأخطؤوا إذا كانوا من أهل الاجتهاد.

وإنما أردت أن أحدد أبرز القضايا التي يدور حولها هذا البحث، وأن أبين أن الاجتهاد سائغ في أمور الدين كلها بالنسبة لأهل السنة والجماعة، الذين يجعلون الكتاب والسنة هما مصدر العلم الديني، ويجعلون أصولهم منبثقة منهما؛ ويحتكمون إليهما عند الاختلاف، ويعتقدون بعدالة الصحابة رضي الله عنهم، ويقدمون أقوالهم على آراء العلماء الذين جاؤوا من بعدهم.

أما الذين يجهلون السنة النبوية ويطعنون ببعض الصحابة؛ كالخوارج والرافضة، والذين يعتبرون مرجعهم الأساسي هو العقل، فيردون إليه نصوص الكتاب والسنة ويحتكمون إليه عند التنازع؛ كالمعتزلة والجهمية وأتباع الفلاسفة .. أما هؤلاء فلا عبرة بأقوالهم وآرائهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد المعتدِّ به لمخالفتهم أهل السنة في أصول الدين.

هذا وقد أضفت إلى هذه الطبعة موضوعين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير