الدِّماءُ في الَحجِّ للشيخ العلامة محمد إبراهيم شقره ـ حفظه الله تعالى ـ
ـ[أبو محمد الظاهرى]ــــــــ[20 Nov 2008, 04:45 م]ـ
الدِّماءُ في الَحجِّ للشيخ العلامة محمد إبراهيم شقره ـ حفظه الله تعالى ـ
يقول:
من يقرأُ الفقهَ على المذاهب كلِّها، يروعه كثرةُ الدماءِ التي تُفرَضُ على كل مخالفة قد يرتكبها المسلم أثناء إحرامه، وتأْديته مناسكه.
ونحن إذا أَمعنا النَّظر، وتجرَّدنا من العصبية المذهبية، وتقصَّينا الأدلة التي جاءت في القرآن، أو صحَّت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا أنَّ هذه الكثرة من الدِّماءِ ليستْ مشروعةً، وأَنَّ المشروع منها خمسة فقط:
الأول: دمُ التمتع والقران، وهو الدم الذي يجب على الحاج الذي لبَّى بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، أو لبَّى بحج وعمرة قارناً بينهما.
الثاني: دم الفدية، الذي يجب على الحاج إذا حلق شعره لمرض أو شيءٍ مؤْذٍ.
الثالث: دمُ الجزاءِ، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيداً برِّياً، أما صيد البحر فلا شيءَ منه عليه.
الرابع: دمُ الإحصار، ويكون بسبب انحسابه عن إتمام المناسك لمرض أو عَدُوٍّ أو غير ذلك، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه، أي لم يقل عند تلبية بالحج: اللهم مِحَليِّ حيث حبستني.
الخامس: دمُ الوطءِ، وهو دم يُفرض على الحاج إذا وطىءَ أثناء حجه، فإن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة صبيحة يوم النحر فعليه بدنة، مع بطلان حجهِّ، وإن كان وطىءَ بعد الرمي وقبل طواف الافاضه فعليه شاة.
ومثل الرجل في هذه المرأة سواءً بسواءٍ، غير أَنها إذا كانت مكرهةً في وطئِها فلا هدي عليها، وأيضاً فإن حجَّها صحيح بخلاف زوجها الواطىءِ، إن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة.
ولا يجب على الحاج دمٌ غير هذه الدماءِ، إذ ليس على ذلك دليل يصلح للاعتماد عليه، وقد اعتمد الفقهاءُ قديماً وحديثاً في كثرة الدماءِ التي يوجبونها في مخالفات الحج، على أَثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور وهو: " من نسي من نُسُكِهِ شيئاً أو تركه فليُهْرِقْ دماً ".
وهذا الأثر فضلاً عن كونه مُصادماً لصريح السُّنة كما سنبين، فهو قد تفرد به ابن عباس رضي الله عنهما، فيُصْبح رأْياً ارتآه ابن عباس وحده، مصادماً لصريح السُّنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلكم: " أَن رجلاً جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متضمِّخٌ بطيب، فقال: يارسول الله، كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّةٍ بعدما تضَمَّخَ بطيب؟. فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً، فجاءه الوحي، ثم سُرِّيَ عنه فقال: أَين الذي سألني عن العمرة آنفاً، فالْتُمِسَ الرجلُ فجيءَ به فقال: أَمَّا الطِّيبُ الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجُبَّة فانزِعها، ثم اصنع في العمرة كلَّ ما تصنع في حجَّك ".
فهذا الحديث، يدلُّ دلالةً صريحة، على أَن من أتى مخالفةً أو محظوراً من محظورات الإحرام، فليس عليه إلا أن يدعه فقط، لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل لا بس الجبَّة المتضمخ بطيب النِّساء ـ وهو الخلوق كما جاء في رواية أخرى ـ إلا أن ينزع الجبَّة ويغسل الطيب، ولم يأْمره بذبح هدي الجزاء، ولوكان واجباً لأَمره به، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجه، والحاجة قائمة هنا، والوحي قد نزل بالحكم الفصل.
والصحابي مهما بلغ من منزلة وعلم، فأثره لا يُقَدَّم على سنَّةٍ صحيحة صريحة من سنن الرسول صلوات الله عليه.
إذاً فمن الحق أن يقال:إنَّ ابن عباس ـ رضي الله عنه، على جلالة قدره في العلم ـ اجتهد رأْيه، فلربما لم يبلغه هذا الحديث الصحيح، واختلاف الصحابة مشهور لا يخفى، وهو مبنيٌّ على هذا الأْصل، ألا وهو: خفاءُ السنن، وعلى تفاوتهم في العلم.
ولا يقال هنا:إن الصحابة لم ينكروا عليه، فعدم معرفتنا بذلك لا يعني أن الصحابة لم ينكروا، غاية ما يقال:إنه لم يصلنا.
ولا ننسى أنَّ كثرة الدماءلم تؤد إلى أَلتساهُلِ في المناسك فحسب، بل إلى الأستهانة بأداءِ مناسِكِ الحج، وإتمامها على مثل ما بينَّ الرسول عليه السلام، وهذا أَخطر مافي التدميم.
نقلاً من كتاب " إرشاد الساري إلى عبادة الباري ـ القسم الثاني الحج " (ص 42 ـ 44).
ـ[أبو محمد الظاهرى]ــــــــ[04 Nov 2009, 08:46 م]ـ
للرفع لقرب الحج ....