الإمام الحافظ العُماني أبو محمد الحسن بن علي بن سعيد المقرئ - بحث لعزة حسن
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[09 Sep 2008, 01:58 ص]ـ
الإمام الحافظ العُماني
أبو محمد الحسن بن علي بن سعيد المقرئ
عالم القراءات الكبير
الدكتور عزة حسن
دمشق
نشأة علم القراءات وبدء التأليف فيه
نزل القرآن وحياً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، في مدة ثلاث وعشرين سنة، من يوم مبعثه إلى حين وفاته. وكان يقرأ ما ينزل من آيات القرآن على الصحابة ليحفظوها، ويقرؤوها في صلواتهم، ويسيروا على هداها في عباداتهم، ويعملوا بمقتضاها في معاملاتهم.
فتجرّدوا لتصحيحه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه. وتلقَّوْه من النبي صلى الله عليه و سلم حرفاً حرفاً. لم يهملوا منه حركة ولا سكوناً ولا إثباتاً ولا حذفاً. ولا دخل عليهم في شيء منه شك ولا وهم. وكان منهم مَنْ حفظه كلَّه. ومنهم من حفظ أكثره. ومنهم من حفظ بعضَه. كل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه و سلم. وقد ذكر الإمام أبو عُبَيْد القاسم بن سلاّم في أول كتابه في القراءات مَنْ نُقِلَ عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة وغيرهم ([1]).
وقد أمر الرسول صلى الله عليه و سلم جماعة من الذين يحسنون الخط، وهم كتّاب الوحي، بكتابة ما ينزل من آي القرآن. ومن هؤلاء الكتّاب علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وهما من رجال قريش أهل مكة. ومنهم زيد بن ثابت، وأُبَيُّ بن كعب، وهما من الأنصار أهل المدينة. ومنهم عبد الله بن مسعود الهُذَلي. ومنهم آخرون غير هؤلاء المذكورين.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن بلغات عديدة، أي بلهجات مختلفة، حسب اختلاف لغات قبائل العرب، وذلك للتسهيل على رجالهم، والتيسير على ألسنتهم في لفظه وقراءته. وكان يقول:» إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه «([2]).
وتوفي الرسول r من غير أن يأمر بجمع آي القرآن في كتاب، فظلت مفرقة، مكتوبة عند بعض الصحابة، ومحفوظة في صدور القراء منهم. وارتدّت قبائل العرب عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم. وسار المسلمون إلى قتال المرتدّين، واسْتُشْهِد كثير من الصحابة في حرب اليمامة، حتى بلغ عددهم خمسمائة شهيد، وفيهم كثير من حَفَظَة القرآن ([3]).
فهال مقتلُ القراء كبارَ الصحابة، وخافوا ضياع القرآن بمقتلهم. فبادر عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر الصديق، وقال له: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتهافتون في الحرب تهافتَ الفََراش، وإني أخشى أن يضيع كثير من القرآن بموتهم. ولم يزل به حتى أقنعه بفضل جمع القرآن. فأمر أبو بكر زيدَ بن ثابث الأنصاري بجمعه وكَتْبِه ([4]).
ذكر الإمام أبو عمرو عثمانُ بن سعيد الداني:
قال زيد: فدعاني أبوبكر. فقال: إنك رجل شاب، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم، فاجمع القرآن واكتبه. فقال زيد لأبي بكر: كيف تصنعون بشيء لم يأمركم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمر، ولم يعهد إليكم فيه عهداً؟ قال: فلم يزل بي أبو بكر حتى أراني الله مثل الذي رأى أبو بكر وعمر. فقال: والله، لو كلّفوني نقل الجبال لكان أيسر من الذي كلّفوني ([5]).
وجاء في معجم "لسان العرب":
وفي حديث زيد بن ثابت حين أمره أبو بكر الصديق بجمع القرآن. قال: فعَلِقْتُ أتتبّعه من اللِّخاف والعُسُب. وذلك أنه استقصى جميع القرآن من المواضع التي كُتِب فيها. حتى ما كُتِبَ في اللخاف، وهي الحجارة، وفي العسب، وهي جريد النخل. وذلك أن الرَّقّ أعوزهم حين نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم. فأُمِرَ كاتب الوحي فيما تيسّر من كَتِف ولَوْح وجلد وعَسِيب ولَخْفَة ([6]). وإنما تتبّع زيد بن ثابت القرآن، وجمعه من المواضع التي كُتِبَ فيها. ولم يقتصر على ما حفظ هو وغيره، وكان من أحفظ الناس للقرآن، استظهاراً واحتياطاً لئلاّ يسقط منه حرف، لسوء حفظ حافظه، أو يتبدّلَ حرف بغيره. وهذا يدل على أن الكتابة أضبط من صدور الرجال، وأحرى أن لا يسقط منه شيء. فكان زيد يتتبّع في مُهْلة ما كُتِب منه في مواضعه، ويضمه إلى الصحف. ولا يثبت في تلك الصحف إلا ما وجده مكتوباً كما أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم، وأملاه على من كتبه ([7]).
¥