تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا فصل الخطاب في هذا الباب؛ فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومُفتٍ وغير ذلك .. إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع؛ كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة خلافًا للجهمية المجبرة، وهو مصيب، بمعنى: أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه، خلافًا للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم، بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب ([3])

.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر في حواره مع المخالفين في باب أسماء الله تعالى وصفاته:

ثم قلت لهم: وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكًا، فإن المنازع قد يكون مجتهدًا مخطئًا يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه

في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب

أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك .. فهذا أولى ([4]).

وفي موضع آخر يؤكد ابن تيمية -رحمه الله- عدم المؤاخذة في الخطأ في أمور الاعتقاد، حيث يقول: ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم؛ فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه، إذا كان مقصوده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب إمكانه .. هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاده، ولا يؤاخذه بما أخطأ؛ ...............

............

وأهل السنة جزموا بالنجاة لكل من اتقى الله تعالى، كما نطق به القرآن، وإنما توقفوا في شخص معين لعدم العلم بدخوله في المتقين ([5]).

ويذكر -رحمه الله- اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في بعض المسائل العلمية الاعتقادية، ويبين مذهب أهل السنة في عذر المجتهد إذا أخطأ فيقول: وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية؛ كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت .. مع بقاء الجماعة والألفة.

وهذه المسائل منها ما أَحدُ القولين خطأٌ قطعًا، ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مُؤَدٍّ لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه؛ وهل يقال له: مصيب أو مخطئ؟ فيه نزاع، ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم في نفس الأمر.

ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ ([6]).

ويذكر -رحمه الله- أن العالم إذا أخطأ يُترك خطؤه، ولكنه لا يكفَّر ولا يفسَّق ولا يؤثَّم، وذلك في جوابه على سؤال حول موضوع عصمة الأنبياء عليهم السلام؛ حيث يقول: وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق، بل ولا يأثم؛ ...............

.................

وبيَّن في موضع آخر أن المجتهدين من العلماء في أمور الدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر على اجتهادهم والله يغفر لهم خطأهم؛ حيث يقول: ولكن الأنبياء -صلوات الله عليهم- هم الذين قال العلماء: إنهم معصومون من الإصرار على الذنوب، فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه؛ فتارة يصيبون وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطؤوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارة يغْلُون فيهم ويقولون: إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون: إنهم باغون بالخطأ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يُؤثِّمون ([8]).

ويبين -رحمه الله- الفرق بين المجتهد الذي يريد الوصول إلى معرفة الحق، وبين المفرِّط الذي يتبع هواه فيقول:

([1]) يعني قدامة بن مظعون.

([2]) المرجع السابق (19/ 203 - 212)، وانظر: منهاج السنة (5/ 85 - 95).

([3]) مجموع الفتاوى (19/ 216، 217).

([4]) المرجع السابق (3/ 179).

([5]) المرجع السابق (20/ 165، 166).

([6]) المرجع السابق (19/ 123).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير