تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المسألة قياسهم الله تعالى على أنفسهم في قولهم: إن الحكم بيننا لا يفعل شيئا إلا لعلة، فوجب أن يكون الحكيم عزوجل كذلك. قال أبو محمد: وهم متفقون على أن القياس هو تشبيه الشئ بالشئ، فوجب أنهم مشبهون الله تعالى بأنفسهم، وقد أكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: * (ليس كمثله شئ) * ولو أن معارضا عارضهم فقال: لما كنا نحن لا نفعل إلا لعلة، وجب أن يكون تعالى بخلافنا، فوجب ألا يفعل شيئا لعلة لكان أصوب حكما وأشد اتباعا لقوله: * (ليس كمثله شئ) * وبالله تعالى التوفيق. وأيضا: فإنهم بهذه القضية الفاضحة قد أدخلوا ربهم وتحت الحدود والقوانين، وتحت رتب متى خالفها لزمه السفه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وهذا كفر مجرد دون تأويل، ولزمهم - إن طردوا هذا الاصل الفاسد - أن يقولوا: لما وجدنا الفعل منا لا يكون إلا جسما مركبا ذا ضمير وفكرة وجب أن يكون الفعال الاول جسما مركبا ذا ضمير وفكرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قال أبو محمد: فهذا يلزمهم كما ذكرنا. ثم نبين بالبرهان الضروري بطلان قضيتهم من غير طريق إلزامهم طردها فنقول بالله تعالى التوفيق: إن الحكيم منا إنما صار حكيما لانه انقاد لاوامر ربه تعالى، ولتركه نواهيه، فهذا هو السبب الموجب على الحكيم منا ألا يفعل شيئا إلا لمنفعة ينتفع بها في معاده أو لمضرة يستدفعها في معاده. وأما الباري تعالى فلم يزل وحده ولا شئ معه ولا مرتب قبله فلم يكن على الله تعالى رتبة توجب أن يقع الفعل منه على صفة ما دون غيرها، بل فعل ما فعل كما شاء، ولم يفعل ما لم يفعل كما لم يشأ فبطل تشبيههم أفعال الحكيم منا بأفعال الباري تعالى. وأيضا: فإنا لم نسم الله تعالى حكيما من طريق الاستدلال أصلا، ولا لان العقل أوجب أن يسمى تعالى حكيما، وإنما سميناه حكيما لانه سمى بذلك نفسه فقط، وهو اسم علم له تعالى لا مشتق، ويلزم من سمى ربه تعالى حكيما من طريق الاستدلال أن يسميه عاقلا من طريق الاستدلال، وقد بينا فساد هذه الطريقة وبطلانها وضلالها في كتاب الفصل فبطلت قضيتهم الفاسدة جملة، وصح أنها دعوة فاسدة منتقضة. وأما قولهم: إنه تعالى يفعل الاشياء لمصالح عباده فإن الله تعالى أكذبهم بقوله: * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) * فليت شعري أي مصلحة للظالمين في إنزال ما لا يزيدهم إلا خسارا، بل ما عليهم في ذلك إلا أعظم الضرر وأشد المفسدة، ولقد كان أصلح لهم لو ينزل، وما أراد الله تعالى بهم مصلحة قط، ولكنهم من الذين قال تعالى فيهم: * (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) *. قال أبو محمد: ويقال لهم المصلحة جميع عباده فعل تعالى ما فعل؟ أم لمصلحة بعضهم. فإن قالوا لمنفعة جميعهم كابروا وأكذبهم العيان، لان الله تعالى لم يبعث قط موسى عليه السلام لمنفعة فرعون ولا لمصلحته، ولا بعث محمدا (ص) لمنفعة أبي جهل ولا لمصلحته، بل لمضرتهما ولفساد آخرتهما ودنياهما، وهكذا القول في كل كافر، لو لم يبعث الله من كذبوه من الانبياء لكان أصلح لدنياهم وآخرتهم. وأيضا فلا شئ في العالم فيه مصلحة لانسان إلا وفيه مضرة لآخر، فليت شعري ما الذي جعل الصلاح على زيد بفساد عمرو حكمه؟ وكل من فعل هذا بيننا فهو سفيه، بل هو أسفه السفهاء، والله تعالى يفعل كل ذلك وهو أحكم الحكماء، فيلزمهم على قياسهم الفاسد. وأصلهم الفاضح أن يسفهوا ربهم تعالى، لانه عزوجل يفعل ما هو سفه بيننا لو فعلناه نحن، وقد وجدنا من أغرى بين

الحيوانات بيننا حتى تتقابل كالديكة والكباش والقبج وقتلها لغير أكل أنه غاية السفه، والباري تعالى يفعل كل ذلك ويقتل الحيوانات لغير أكل، ويسلط بعضها دون مثوبة للقاتل منهما ولا المقتول، وهو أحكم الحاكمين. وهذا خلاف الرتبة بيننا فبطل قوله: إن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لمصالح عباده، وصح بالضرورة أنه يفعل ما يشاء لصلاح ما شاء، ولفساد ما شاء، ولنفع من شاء، ولضر من شاء، ليس ههنا شئ يوجب إصلاح من صلح، ولا إفساد من أفسد، ولا هدي من هدى ولا إضلال من أضل، ولا إحسان إلى من أحسن إليه. ولا الاساءة إلى من أساء إليه، لكن فعل ما شاء * (لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون) * وهم دائبا يسألون ربهم. لم فعلت كذا، كأنهم لم يقرؤوا هذه الآية نعوذ بالله من الخذلان. ونجده عزوجل قد حبب بين زوجين حتى أطاعاه وحبب بين آخرين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير