د. محمد عابد الجابري ( http://www.alarabiya.net/writers/writer.php?content_id=27781)
موضوع الزيادة والنقصان في القرآن موضوع قديم كثر فيه القيل والقال. وقد تحدثت المصادر، السُّنية منها والشيعية، عن التحريف في القرآن، نذكر هنا ملخصاً لما ورد في الأولى على أن نخصص المقال المقبل لما ورد في المصادر الشيعية.
تميز المصادر السُّنية بين الأصناف التالية من التحريف في القرآن:
- صنف يقع بالتأويل بمعنى "نقل معنى الشيء من أصله وتحويله إلى غيره"، أو بالنقص أو الزيادة في الحروف أو الحركات، وذلك كاختلاف القراءات، أو بـ"الزيادة والنقصان في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن والتسالم (عدم التنازع) على قراءة النبي صلى الله عليه وسلم إياها"، وهذا مثل تسالم المسلمين في البسملة على أن النبي قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة مع اختلافهم هل هي من القرآن أم لا. وهذه الأنواع من التحريف واقعة في القرآن ومعترف بها بصورة أو أخرى من طرف علماء الإسلام تحت العناوين التالية: التأويل، الأحرف السبع، القراءات، مسألة البسملة ... الخ.
- وصنف يراد به القول بأن "بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل"، وهذا مرفوض بإجماع المسلمين (ينسب إلى فرقة العجاردة من الخوارج أنهم رفضوا أن تكون سورة يوسف من القرآن، زاعمين أنها قصة من القصص).
وهذان الصنفان من التحريف لا يدخلان في موضوعنا هنا. إن ما يهمنا هنا هو ما يتصل بمسألة "جمع القرآن"، أعني ما يدخل في نطاق السؤال التالي: هل "المصحف الإمام" -الذي جمع زمن عثمان والذي بين أيدينا الآن- يضم جميع ما نزل من آيات وسور، أم أنه رفعت (أو سقطت) منه أشياء أثناء جمعه؟
الجواب عن هذا السؤال، من الناحية المبدئية، هو أن جميع علماء الإسلام، من مفسِّرين ورواة حديث وغيرهم، يعترفون بأن ثمة آيات، وربما سوراً، قد "سقطت" أو "رُفعت" ولم تدرج في نص المصحف. وفي ما يلي أنواع النقص التي ذكرتها المصادر السُّنية.
1 - يقول القرطبي عند تفسيره لسورة الأحزاب، وعدد آياتها 73 آية: "كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة (وعدد آياتها 286). وكانت فيها آية الرجم. وبعد أن يشير إلى أن هذا روي عن أُبيّ بن كعب، أحد كتاب الوحي وجامعي القرآن، يضيف قائلاً: "وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من (سورة) الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا (منها) , وأن آية الرجم رفع لفظها" (وبقي حكمهاً سائراً). وروي أنّ عمر بن الخطاب، قال: (إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها، [ونصها]: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم"، فإنّا قد قرأناها). وقيل إن عمر أتى بهذه الآية إلى زيد بن ثابت حين كان يجمع القرآن فلم يأخذها منه لأنه –أعني عمر- كان وحده، وزيد كان قد اشترط شهادة رجلين فيما يأخذ من الآيات.
وفي رواية عن عائشة أنها قالت: "كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتي آية, فلما كتب المصحف لم يُقْدَر منها إلا على ما هي الآن". وفي رواية أخرى أنها قالت: "نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن (شاة) فأكلها".
2 - ويذكر القرطبي أيضاً في بداية تفسيره لسورة براءة (التوبة وعدد آياتها 130)، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها، رواية جاء فيها: "إنه لما سقط أولها، سقط (بسم الله الرحمن الرحيم) معه. وفي رواية أخرى عن حذيفة أنه قال: ما تقرؤون ربعها: يعني براءة".
3 - وذكر السيوطي وغيره أن دعاء القنوت كان سورتين، كل سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمى سورة الخلع، والأخرى تسمى سورة الحفد. غير أن علماء السُّنة قد اعتبروهما ضرباً من الدعاء لا قرآنا منزلاً. وهما بالتتابع: أ) "اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك"، ب) "اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق".
¥