تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[صدر حديثا لمحبي دراسات أصول الدين ...]

ـ[نزار حمادي]ــــــــ[17 May 2010, 08:39 م]ـ

http://www.azahera.net/attachment.php?attachmentid=147&stc=1&d=1274114254

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي الشأن، الجلي البرهان، الذي كرّم بني آدم بالعلوم الضرورية الحاصلة لهم بلا اكتسابات، والعقل الغريزي الذي استعدوا به لإدراك دقائق المعلومات، وأهّلهم للنظر والاستدلال، والارتقاء في مدارج الكمال، ثم أمرهم على ألسنة الرسل بالتفكر في المخلوقات، والتدبر في المصنوعات؛ ليؤديهم ذلك التفكر والتدبر إلى العلم بوجود صانع قديم، قيُّوم حكيم، واحد أحد، فَرْد صمَد، منزَّه عن الأشباه والأمثال، متصف بصفات الجلال والكمال.

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد أشرف الأواخر والأوائل، المبعوث من أشرف القبائل، بأبهر المعجزات وأظهر الدلائل، الموضح للسبل، الخاتم للأنبياء والرسل، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه أجمعين.

وبعد؛ فإنّ جميع العلوم الإسلامية، وإن تكثرت، فالمطلوب منها أمران: أحدهما: إِلْفُ العبادات الذي مرجعه إلى صحة الاعتقادات والقيام بوظائف الطاعات. والثاني: إِلْفُ العادات الذي مرجعه إلى إقامة الأبدان بالأغذية والمعالجات، ونظام المعاش بالمعاملات. والأمر الأول المتعلق بالاعتقادات والعبادات، وإن كان أوكد؛ نظرًا إلى وقوع التكليف به أصالة، لكن قوامُه لا يكون إلا بقوام الثاني، ولهذا احتيج إليهما سوية، وصرنا مكلَّفين بهما معا.

وقد جاءت شريعة الدين الإسلامي الخاتمة للشرائع وافيةً بالأمرين، كافية لتحقيق المقصدين، أقصد مقصد صحة الاعتقادات لتكون مطابقة لما في نفس الأمر، مع تصحيح العبادات لتكون خالِصَة لله الذي له الخلق والأمر، ومقصد حفظ صحة الأبدان لتكون منعّمة بالسلامة، وملائمة للقيام بوظائف العبادة، مع تنظيم ما بين البشر من المعاملات، لتكون مجتمعاتهم سالمة من الاختلافات، وما ينجر عنها من التنافرات.

وقد قام بالأمرين أحسن قيام، وبيّن طرق تحصيل المقصدين أتم بيان: المعلمُ الأكبر، المبعوث لسياسة الخلق أجمع: سيدُنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتمّم تبليغ رسالة الله العليم الخبير بمصالح الإنسان، الذي منَّ علينا بإرسال الرسل لتعلمينا سُبل تحصيل مصالح الدنيا والآخرة بمحض الفضل والامتنان.

هذا، وقد عُلِم بالتجارب السابقة، والخبرة السارية في العالَم، مِن أوّل نشأة الإنسان إلى اليوم، أنّ العقول غير مستقلة باستدفاع المفاسد، ولا باستجلاب المصالح، لا الدنيوية ولا الأخروية، فالمصالح الدنيوية لا تستقل عقول البشر بإدراكها على التفصيل ألبتة، لا في ابتداء وَضْعِها أوَّلاً، ولا في استدراك ما عسى أن يُفرَض في طريقها؛ فإنّ وضعها أوّلا لم يكن إلا بتعليم من الله تعالى، إذ آدم عليه السلام لمّا أنزل إلى الأرض عُلِّمَ كيف يستجلب مصالح دنياه، ولم يكن ذلك من معلومه أوّلا، كما يشير إليه قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31]. فآدم عليه السلام لم يتوصل إلى علم شيء من الأشياء إلا بالوحي، ثم توارثت ذريته العلومَ كذلك في الجملة، فإنّ الصناعات المهمة مثلا أصلها بالوحي لأنبياء الله إدريس وداود وغيرهما عليهم الصلاة والسلام، وقس على ذلك باقي أصول العلوم، لكن لمّا توصلت العقول إلى إدراك بعض فروع تلك الأصول توهمت استقلالها بتحصيلها، وليس الأمر كذلك.

وما يوجد لبعض المجتمعات المتمدنة اليوم من صور الانتظام القانوني، فإذا بحث عن أصله وُجد مقتبسًا من الشرائع الإلهية على وجه المحاذاة لها، ثم هو مشوب بالانحلال والإفراط والتفريط بقدر بعده عن المناهج الشرعية الربانية.

والمقصود إجمالا أنه لولا أن الله تعالى مَنَّ على الخلق ببعثة الأنبياء والرسل لم تستقم للناس حياة، ولا جرت أحوالهم على كمال مصالحهم، وهذا معلوم بالنظر في أحوال الأولين والآخرين، لا سيما أحوال العرب خاصة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير