تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الجنوسة المتعوسة! هل كانت الثقافة العربية تحتقر المرأة وتقارنها بالحيوانات والجمادات؟]

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[29 May 2010, 02:11 م]ـ

الجنوسة المتعوسة!

هل كانت الثقافة العربية تحتقر المرأة وتقارنها بالحيوانات والجمادات؟

بقلم د. إبراهيم عوض

(هذا المقال مُهْدًى إلى أ. ناظم السيد، الذى كان قد دعانى منذ نحو شهر إلى بيروت كى أكون ضيفا فى برنامجه: "هُنّ" لمناقشة موضوع تذكير اللغة مع كاتبتين من المغرب ولبنان، لكن ظروفا قاهرة حالت بينى وبين المشاركة. فلولا هو ما فكرت فى معاودة الكتابة فى هذا الموضوع الآن)

وقع فى يدى منذ وقت غير بعيد بحث وجيز يقع فى نحو ستين صفحة بعنوان "الجنوسة والخطاب البلاغى" يتناول فيه أحد الزملاء وضع المرأة فى الحضارة العربية الإسلامية من خلال بعض النصوص التراثية مركزا على نصوص معينة منها يغلب على الظن أنه قد أقبل على بحثه وفى نيته البحث عنها وعن أشباهها بغية إثبات ما انتهى إليه فى ذلك البحث، وهو أن "العلاقة بين الرجل والمرأة كما تصورها البلاغة لا تصدر فى الغالب عن التراحم والتوادّ والمشاركة الوجدانية والعقلانية والمساواة، ولكنها قائمة على علاقة أشبه بالحرب والصراع تتخذ فيها المرأة أدوات الحرب من كيد واحتيال. كما أنها قائمة على اعتبار المرأة وعاء يفرغ فيه الرجل شهوته ويحفظ جنينه، فضلا عما فيها من استعلاء من جانب الرجل، وانسحاق من جانب المرأة. إنها بلاغة تحط من قدر الأنثى" وتجعلها حيوانا وجمادا لا كائنا إنسانيا له كرامته واحترامه (ص48). وهو ما يعنى أن العرب والمسلمين كانوا قوما متوحشين لا يعرفون أية أشواق عليا فى علاقتهم بالمرأة ولا يفكرون إلا فى إفراغ شهواتهم فيها، ولا تعرف بيوتهم سكينة ولا سلاما ولا حبا، بل حربا ضارية ضروسا تأتى على كل معنى كريم وعاطفة نبيلة. وللأسف لا يترك البحث شيئا من النصوص التى استشهد بها من تلك الثقافة أو أحدا من الأشخاص الذين ساق لهم شيئا من أقوالهم إلا وحمّلها وحمّلهم التبعة فى تلك العلاقة المنحطة التى كانت تربط بين الرجال والنساء حتى العصر الحديث. كما يزعم البحث أنه سوف يفكك تلك العلاقة إلى عناصرها الأولى كى يعرف القراء مدى ما فيها من انحطاط وتخلف ولاإنسانية فيعملوا على تصحيح مسارها، بالاستضاءة بمنجزات الحضارة الغربية الحديثة طبعا.

ومعنى ذلك أننا، نحن المسلمين، على مدار تاريخنا كله حتى عصرنا هذا الحالىّ، لم نكن نعرف شيئا من إنصاف المرأة ولا ننيلها أيا من حقوقها، وأن حضارتنا لا علاقة لها بقيم المساواة بين الرجال والنساء على الإطلاق. فكأن القرآن والرسول لم يقولا شيئا فى هذا الصدد، ولم يفعل المسلمون للمرأة شيئا طوال الأربعة عشر قرنا الماضية. وهو كلام فى منتهى الخطورة، إن صح، لأنه لا دلالة له إلا على أن العرب والمسلمين متخلفون عن ركب الحضارة والإنصاف، وأنهم وحوش يكرهون المرأة ويسيئون بها وبقدراتها بل وبإنسانيتها الظن، ولا يعرفون منها إلا أنها وعاء لتفريغ الشهوة ليس إلا. أى أنها فى نظرهم مجرد جسد، ثم لا شىء آخر.

ولست أقصد بهذا الكلام تحقير الشهوة الجنسية، إذ هى نعمة من النعم الإلهية، فضلا عن أنها سر الحياة والوسيلة الوحيدة لاستمرار النوع البشرى، بل كل ما أريد الإشارة إليه هو إبراز ما يقوله الزميل فحسب، وإلا فَقَدْ بان لكل ذى عينين ولكل غير ذى عينين أن الرهبانية التى تعرفها بعض الأديان الأخرى وينكرها الإسلام إنكارا عنيفا هى باب من أبواب الشيطان مهما علت الدعاوى وتشنجت الصيحات دفاعا عنها وتزيينا لها، وبخاصة بعدما افتضح الرهبان والقساوسة وانهتكت أستارهم وأسرارهم وظهر للقاصى والدانى اعتداءاتهم على الصبيان والنساء فى دور عبادتهم، فى الوقت الذى يتشدقون فيه بالزهد فى الدنيا وملذاتها، على حين يشبعونها فى ظلام نفاقهم الدنس البغيض.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير