تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أوضحنا في المقال السابق كيف أن موضوع النسخ كان وما يزال فضاء للخلاف بامتياز بين علماء الإسلام، بمعنى أن المسألة لا تتعلق فقط بالاختلاف بين القائلين بالنسخ، بل هي تتعدى الاختلاف إلى الخلاف لأنها تطرح –كما بينا- "إشكالا يطال جواز أو عدم جواز القول به. إذ هناك من يقول بوقوعه مطلقا وهناك من ينكر ذلك، وهناك من يقول بوجوده في القرآن ومن ينكر ذلك". والمواقف التي من هذا النوع، أعني التي يلغي بعضها بعضا، تندرج تحت مقولة الخلاف، فهي من جنس الخلاف بين الوعد والوعيد، مثلا. أما الاختلاف فهو يندرج تحت مقولة التعدد داخل الموقف الواحد. على أن الاختلاف بين القائلين بالنسخ يرقى في بعض الحالات إلى درجة الخلاف، وهذا مدار مقال اليوم.

ذلك أن القائلين بوجود النسخ في القرآن قد ذهبوا مذهبا قصيا في العمل به فوضعوا تصنيفات هي عبارة عن قوالب منطقية فارغة، ثم راحوا يبحثون لها عما يملؤها، الشيء الذي جعلهم يمعنون في التجزيء وينزلقون مع افتراضات لا فائدة من ورائها غير اصطناع أوضاع ونوازل أثقلت وتثقل كاهل الفقه الإسلامي.

من ذلك مثلا تقسيمهم النسخ في القرآن إلى الأقسام التالية:

- فالقسم الأول، هو ما عبروا عنه بقولهم "ما نسخت تلاوته وحكمه معًا". وهذا ليس له من نتيجة إلا إثبات "الفراغ" في المصحف نصا ومضمونا. وعبثا حاول بعضهم تجنب هذه النتيجة! لقد انتهوا إلى القول إن هذا القسم الذي فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضًا غير متلو ليس له نظير في القرآن.

- أما القسم الثاني من تصنيفهم للنسخ في القرآن فهو ما أطلقوا عليه "ما نسخ حكمه دون تلاوته"، وهو جل ما ينصرف إليه معنى النسخ عندهم لوجود آيات تقرره في نظرهم. وسنفحص هذه الدعوى لاحقا. لنكتف الآن بالتنبيه إلى أن القول بوجود شيء من القرآن "نسخ حكمه دون تلاوته" قول يحمل تناقضا لا حل له. إذ كيف يمكن أن يكون هناك قرآن للتلاوة فقط، وهو يحمل معنى مفهوما واضحا؟ نحن نقول: إن ما يمكن أن يقال عنه في القرآن "إنه للتلاوة فقط" هو الحروف المقطعة التي في أوائل بعض السور مثل "ن"، "ق، "ص"، "يس،"طه"، "طس"، "طسم"، كهيعص"، "الم"، "المص" الر" المر". أما ما عدا ذلك، وهو القرآن كله، فهو محكم لأنه يحمل معنى، سواء على مستوى الحقيقة أو على مستوى المجاز. أما مسألة هل يعمل به مطلقا أم أن العمل به قد قيده القرآن في وقت لاحق أو أجله أو أوقفه لاعتبار من الاعتبارات، فهذا شيء آخر. وهو محل اجتهاد.

أما القسم الثالث، والذي عبروا عنه بقولهم "ما نسخت تلاوته دون حكمه"، فهو ليس من القرآن. أما استشهادهم بأقوال بعض الصحابة التي تشير إلى خلو المصحف من آيات قالوا إنها كانت من القرآن فقد سبق لنا أن أوضحنا فيه رأينا في مقالات سابقة. لقد بينا كيف أن ذلك لا يجوز اعتباره من القرآن. ذلك لأننا عندما نتحدث عن "القرآن"، فنحن نتحدث عن القرآن كما هو في المصحف منذ أن جُمع زمن عثمان. أما غير ذاك مما يتصل بمناسبات نزوله ومراحل جمعه فهي أمور تنتمي إلى التاريخ، إلى مجال التعريف بالقرآن، وليس إلى فهم نص القرآن.

ومن مبالغات القائلين بالنسخ تصنيفهم سور القرآن حسب "وجود" النسخ فيها أو عدم وجوده إلى الأصناف التالية:

- سور تضمنت الناسخ والمنسوخ وعدوها خمسا وعشرين هي: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة وإبراهيم والنحل ومريم والأنبياء والحج والنور والفرقان والشعراء والأحزاب وسبأ والمؤمن والشورى والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والمزمل والتكوير والعصر.

- وسور دخلها المنسوخ دون الناسخ، وهي عندهم أربعون: الأنعام والأعراف ويونس وهود والرعد والحجر والإسراء والكهف وطه والمؤمنون والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والملائكة والصافات وص والزمر والمصابيح والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف وسورة محمد و"ق" والنجم والقمر والممتحنة و"ن" والمعارج والمدثر والقيامة والإنسان وعبس والطارق والغاشية والتين والكافرون.

- وسور اشتملت على الناسخ دون المنسوخ، وعدوها ستا وهي: الفتح والحشر والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير