تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد كانت المرأة الأوربية فى العصور الوسطى محرومة من حق التملك والتعليم، وظلت حتى وقت قريب محرومة من تولى معظم الوظائف، التى ما زالت أبواب بعضها مغلقة فى وجهها حتى الآن. بل كان الرجل فى بعض مناطق ألمانيا حتى نهاية القرن التاسع عشر يستطيع أن يبيع زوجته كأية سلعة. وفى فرنسا كان على النساء أن يغطين رأسهن فى الأماكن العامة حتى ذلك التاريخ أيضا. كذلك لم يكن للمرأة الغربية حتى بداية القرن العشرين الحق فى أن تدير عملا اقتصاديا، اللهم إلا من خلال وكيل يقوم هو بما تريد. كما لم يكن لها أى سلطان على أولادها دون إذن الزوج. وبالمثل لم يكن من حقها الحصول على الطلاق. وفوق ذلك كان رأى القساوسة فيها شديد السوء طوال العصور الوسطى. ليس ذلك فحسب، بل كانت آدميتها محل شك كبير فى الغرب إلى وقت قريب بتأثير الكنيسة. وكانت طوال التاريخ حتى العصر الحديث قعيدة بيتها، ولا تشارك فى الحياة العامة (انظر مادة "النسوية، feminism، féminisme" فى "الموسوعة العربية العالمية والموسوعة البريطانية والويكبيديا والإنكارتا الإنجليزية والفرنسية والموسوعة اليونيفرسالية الفرنسية وموسوعة لاروس الفرنسية"). ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن المرأة الغربية، حين تتزوج، تفقد ذاتيتها، إذ تتخلى عن لقب أسرتها وتتخذ بدلا منه لقب أسرة زوجها، وهو ما لا تعرفه بحمد الله المرأة العربية والمسلمة، اللهم إلا فى البيئات التى تقلد الغربيين تقليد القرود متصورة أنها بذلك تلحق بركب التحضر رغم أنها بذلك التصرف إنما توغل فى التخلف. وأى تخلف أشد من أن تفقد المرأة ذاتيتها وتتلقب بلقب الزوج؟

ثم ظهر الاتجاه النسوى فى الغرب واستفاض فى العالم كله تقريبا. وكان يدعو فى بداية الأمر إلى رفع الغبن عن المرأة، ثم اشتد فدعا إلى المساواة مع الرجل، وإن كان بعض الداعيات به يشتططن فيخرجن عن حد العقل كتلك الكاتبة المتهوسة المتهلوسة التى تحترق غيظا لأن للرجل ذَكَرًا، وهى لا. و لا أدرى ماذا تصنع به لو وهبها الوهّاب ذَكَرًا مثل الرجل! وتعود بداية حركة المناداة بحقوق النساء فى الغرب وتسويتهن بالرجال إلى نهاية القرن الثامن عشر، على حين تم ذلك فى الإسلام منذ نزول القرآن وفيه الآيات التى تدعو إلى احترام المرأة وإعطائها حقوقها من مثل قوله تعالى: "ولهن مِثْلُ الذى عليهن بالمعروف"، وإن جعل للرجال عليهن درجة هى درجة القوامة والإشراف لا درجة التسلط والاستبداد والتعسف. وإلى جانب ذلك أتى الإسلام بشىء لم تعرفه أية حضارة حتى الآن. ألا وهو أن التعلم، سواء بالنسبة إلى الرجل أو المرأة، ليس حقا لهما يمكنهما أن يأخذاه أو يهملاه إذا أرادا، بل هو فرض عليهما لا بد لهما من تأديته، وإلا أثما. بل إن الرسول قد أكد أن الأب إذا كان له من البنات ولو بنتا واحدة فأحسن تربيتها وتعليمها وتزويجها كتبت له الجنة. وهو ما لا وجود له فى أية حضارة لا فى القديم ولا فى الحديث. ومن حق المرأة فى الإسلام أن يكون لها رأى فيمن يتقدم لخِطْبتها، وأن تطلب الخُلْع من زوجها متى كرهت عشرته.

وفى القرآن أيضا نلاحظ أنه سبحانه وتعالى يقرن النساء والرجال فى جَدِيلة واحدة على أساس تساويهما فى الحقوق والواجبات كما هو الحال فى قوله عز شأنه: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" (آل عمران/ 195)، "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" (النساء/ 124)، "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل/ 97)، "مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ" (غافر/40). ذلك أن الرجل والمرأة جميعا مخلوقان من نفس واحدة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير