تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4. هذه الآية نزلت في المجتمع الجاهلي والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى فيهم (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريدا (117) النساء) فذكر أن ما يدعون من دون الله إنما هي إناث وقد روي عن الحسن "أنه كان لكل حيّ من أحياء العرب صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان ... وقيل كان في كل صنم شيطانة". "وقيل كانوا يقولون في أصنامهم هي بنات الله" وكانوا يسمون كثيراً منها باسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة فناسب التأنيث من كل جهة، من جهة أنها غير عاقلة ومن جهة أن لها أسماء مؤنثة أو يرون أنها إناث.

وقال في يس (إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير العقلاء ذلك لأنه قال (لا تغن عني شفاعتهم) والشفيع لا بد أن يكون عاقلاً وإلا فكيف يشفع؟ ولذلك قال في الزمر (أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون (43)) فجاء بضمير جماعة الذكور للدلالة على أنه لا يكون الشفيع إلا عاقلاً. ثم نفى الشفاعة مع عدم العقل فقال (قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون) فاستعمل ضمير العقلاء مع الشفاعة.

ثم قال (ولا ينقذون) والمنقذ لا بد أن يكون عاقلاً أيضاً وإلا فكيف ينقذ؟ ولذلك قال في سورة يس (واتخذوا من دون آلهة لعلهم ينصرون* لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) فاستعمل ضمير جماعة العقلاء وهو قوله (لا يستطيعون) و (هم) لأن الناصر لا بد أن يكون عاقلاً وهو كالمنقذ. وهذه الاية نظيرة الآية السابقة فناسب كل ضمير مكانه اللائق به.

وهناك أمر آخر في الآية وهو أنه قال (إن يردن الرحمن بضر) فأدخل الباء على الضر ولم يقل (إن يرد الرحمن بي ضراً) وكلاهما تعبير فصيح تقول (أراد به رحمة) و (أراده برحمة). قال تعالى (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة (17) الأحزاب) فأدخل الباء على ضمير المخاطبين فما الفرق؟

جاء في التفسير الكبير: "قال (إن يردن الرحمن بضر) ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وكذلك قال تعالى (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره) ولم يقل إن أراد الله بي ضراً نقول: الفعل إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد تعدى إلى مفعولين بحرف كاللازم يتعدى بحرف في قولهم ذهب به وخرج به ثم إن المتكلم البليغ يجعل المفعول بغير حرف ما هو أولى بوقوع الفعل عليه ويجعل الآخر مفعولاً بحرف. فإذا قال القائل مثلاً: كيف حال فلان؟ يقول اختصه الملك بالكرامة والنعمة. فإذا قال كيف كرامة الملك؟ يقول اختصها بزيد فيجعل المسؤول عنه مفعولاً بغير حرف لأنه هو المقصود. إذا علمت هذا فالمقصود فيما نحن فيه بيان كون العبد تحت تصرف الله يقلبه كيف يشاء في البؤس والرخاء. وليس الضر بمقصود بيانه كيف والقائل مؤمن يردو الرحمة والنعمة بناء على إيمانه بحكم وعد الله. ويؤيد هذا قوله من قبل (الذي فطرني) حيث جعل نفسه مفعول الفطرة فكذلك جعلها مفعول الإرادة وذكر الضر وقع تبعاً. وكذا القول في قوله (إن أرادني الله بضر) المقصود بيان أنه يكون كما يريد الله وليس الضر بخصوصه مقصوداً بالذكر ويؤيده ما تقدم حيث قال تعالى (أليس الله بكاف عبده) يعني هو تحت إرادته ويتأيد ما ذكرناه بالنظر في قوله تعالى (من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً) حيث خالف هذا النظم وجعل المفعول من غير حرف السوء وهو كالضُرّ والمفعول بحرف هو المكلف. وذلك لأن المقصود ذكر الضر للتخويف وكونهم محلاً له. وكيف لا وهم كفرة استحقوا العذاب بكفرهم فجعل الضر مقصوداً بالذكر لزجرهم. فإن قيل: فقد ذكر الله الرحمة أيضاً حيث قال (أو أراد بكم رحمة) نقول المقصود ذلك ويدل عليه قوله تعالى من بعده (ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيرا) وإنما ذكر الرحمة تتمة للأمر بالتقسيم الحاصر وكذلك إذا تأملت في قوله تعالى (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعا) فإن الكلام أيضاً على الكفار وذكر النفع وقع تبعاً لحصر الأمر بالتقسيم".

والذي يبدو لي غير ذلك فإن الذي يظهر من التعبير القرآني أن ما تتصل به الباء هو الذي عليه السياق وهو مدار الكلام وهو الأهم فيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير