تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (70) الأنبياء) واتصلت الباء بضمير الغيبة (به) ولم تتصل بالكيد. والكلام على سيدنا إبراهيم عليه السلام وذلك في أكثر من عشرين آية من الآية (51 – 72).

في حين قال (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر) فقد اتصلت الباء ههنا بالضر وبالرحمة ولم تتصل بالضمير فقد قال (إن أرادني الله بضر – أو أرادني برحمة) ولم يقل إن أراد بي ضراً أو أراد بي رحمة وذلك أن الاهتمام والعناية بالضر والرحمة ويدلك على ذلك أنه عقب على ذلك بكشف الضر أو إمساك الرحمة فقال (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) والسياق إنما هو في ذلك والاهتمام به فقد قال تعالى (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) فالكلام على المعتقدات لا على الأشخاص.

وقال (وإن يردك بخير فلا راد لفضله (107) يونس) فقد اتصلت الباء بالخير لا بضمير الخطاب فقال (وإن يردك بخير) ولم يقل وإن يرد بك خيراً وذلك أن الكلام إنما هو في هذا الأمر والسياق عليه قال تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) فالكلام على الضر والخير وما يتعلق بكشفهما أو ردهما لا على الأشخاص وذلك قال (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله). فليس أحد يكشف الضر إلا هو ولا أحد يملك أن يرد خيره تعالى ولذلك عقّب بقوله (فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده). وقد قال قبل هذه الآية (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) فالكلام في النفع والضر كما ترى وإيصالهما أو دفعهما. وفي هذه السورة أعني سورة يس وصل الباء بالضر فقال (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا هم ينقذون) ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وذلك أن الكلام على الضر وهو مدار الاهتمام ولذلك عقب بكشف الضر وإزالته فقال (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) أي لا يدفعون الضر عني ولا ينقذونني منه. فاتضح بذلك أن الباء تتصل بما هو أهم في السياق وعليه الكلام والله أعلم.

(لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون)

بيّن أن آلهتهم ليس لها جاه ولا قدرة. فكونها لا تنفع شفاعتها شيئاً معناه أنه ليس لها جاه. وكونها لا تنقذ من يعبدها ويلتجئ إليها معناه أنها ليس لها قدرة فكيف يعبدون آلهة هذه صفتها؟!

ثم بيّن أنها بمجموعها ليس لها مكانة ولا جاه وأنها بمجموعتها ليس لها قدرة فلو أن آلهتهم جميعها شفعت عند الله لم تغن شفاعتهم شيئاًز ولو أن جميعها أرادت أن تنقذه لم تستطع فما أتفه وأضهغ هذه الآلهة!.

لقد قدم الشفاعة على القدرة لأن هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة فإن من استعان بشخص على آخر يشفع أولاً عنده فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً لجأ إلى القوة وليس العكس. جاء في التفسير الكبير:" ثم قال (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) على ترتيب ما يقع من العقلاء. وذلك لأن من يريد دفع الضر عن شخص أضر به شخص يدفع بالوجه الأحسن فيشفع أولاً فإن قبله وإلا يدفع فقال (لا تغن عني شفاعتهم) ولا يقدرون على إنقاذي بوجه من الوجوه".

وجاء في روح المعاني:" وهو ترقٍ من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولاً بنفي الجاه وذكر ثانياً إنتفاء القدرة وعبّر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته! "

فاستبان من هذه الآيات أن الله مستحق للعبادة من كل وجه:

1. أنه فطر الخلق

2. وأنه يرسل الرسل إليهم ليرشدوهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم

3. إليه المرجع والمصير فيعاقب المسيء ويكافئ المحسن

4. أنه رحيم بعباده (إن يردن الرحمن)

5. أنه قوي مقتدر ليس لقدرته حدود

6. وأن ما يدعون من دونه ليس لهم جاه وليس لهم قدرة وإن اجتمعوا

جاء في التفسير الكبير:" وفي هذه الآيات حصل بيان أن الله تعالى معبود من كل وجه. إن كان نظراً إلى جانبه فهو فاطر ورب مالك يستحق العبادة سواء أحسن بعد ذلك أو لم يحسن. وإن كان نظراً إلى إحسانه فهو رحمن وإن كان نظراً إلى الخوف فهو يدفع ضره وحصل بيان أن غيره لا يصلح أن يعبد بوجه من الوجوه فإن أدنى مراتبه أن يعد ذلك ليوم كريهة وغير الله لا يدفع شيئاً إلا غذا أراد الله وإن يرد فلا حاجة إلى دافع".

(إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24))

أي إن اتخذت من دونه آلهة فإني إذاً في ضلال ظاهر لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل وهو لا يعني بهذا القول نفسه فقط وإنما يريد بذلك المخاطبين أيضاً. والمعنى إن اتخذتم آلهة هذا شانها وتركتم فاطركم وخالقكم فأنتم في ضلال ظاهر وقد أجرى القول على نفسه ولم يواجههم بذاك لئلا يثير استفزازهم وعصبيتهم وليستعملوا عقولهم وتفكيرهم لعلهم يرجعون إلى الحق. وقد أكد العبارة بـ (إن واللام) ووصف الضلال بأنه مبين غير خفي لأنه إن فعل ذلك كان كذلك حقاً ولأن المقام يستدعي هذه التأكيدات مع ظهورها لأن المخاطبين ينكرون ذلك أشد الإنكار على ظهوره ووضوحه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير