د. الربيعة: لعل لفظ القارعة وتسمية السورة بالقارعة يدل دلالة واضحة على أن الغرض والله أعلم منها قرع القلوب الغافلة عن طاعة الله وقرع قلوب المشركين وقرع قلوب المعرضين بالأهوال التي تزلزلهم وتبين لهم الحق. ولذلك تأمل كيف وصف الله عز وجل أوصاف الناس فيها.
د. الخضيري: قال (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)
د. الربيعة: تطايرهم، والجبال ليس الإنسان فقط، تلك الجبال الراسية العظيمة تكون كالعهن المنفوش
د. الخضيري: مثل القطن المنفوش
د. الربيعة: بعد هذا القرع وهذا الهول فما ميزان الإنسان؟
د. الخضيري: هنا يأتي البيان حال الناس في ذلك اليوم بحسب ما عندهم من الأعمال. هي تقرع وتقلقل وتزلزل لكن المؤمن بما آتاه الله عز وجل من الأعمال الصالحة يكون ثقيلاً فإذا اهتز الناس لا يهتز وإذا تشتتوا وزلزلوا واضطربوا وإذا به ساكن (وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) النمل) (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) وهذا اليوم يجب أن نعمل له. لكن هنا ملاحظة: من قرعت القيامة قلبه في الدنيا اطمأن يوم القيامة فلا يجمع الله على عبد زلزلتين ولا خوفين ولا أمنين من أمن في الدنيا خاف يوم القيامة ومن خاف في الدنيا أمِن يوم القيامة ومن قرعت القيامة قلبه في الدنيا في يوم القيامة يكون مطمئناً.
د. الربيعة: ولهذا سبحان الله إنظر إلى السر في تكرار لفظ القارعة، ثلاث مرات تكررت والسورة إنما هي قصيرة (الْقَارِعَةُ ?1? مَا الْقَارِعَةُ ?2? وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ?3?) كلها لتقرع القلب مرة بعد مرة بعد مرة، القلب الغافل الذي قد تراكمت عليه الذنوب وتراكمت عليه الشبهات وتراكمت عليه المعاصي وأنواع الشرك يحتاج إلى قرع شديد حتى ينفكّ والله تعالى أعلم أن هذا من أسرار تكرار لفظ القارعة في الآية ولهذا المسلم ينبغي إذا قرأ ينبغي أن يتذكر هذا المعنى ليقرع بها قلبه الغافل وكلنا ذلك الرجل نحتاج إلى ما يقرع قلوبنا فيصححها ويفتح مغاليقها إلى ذكر الله عز وجل. يقول الله عز وجل في وصف عظيم لهذه القارعة وهو (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) والله إنه لمشهد عظيم، هؤلاء الناس الذين يعيشون على هذه الأرض ويمشون عليها في لحظة يكونوا متطايرين في الهواء كالفراش المبثوث من خفّتهم بسبب الهول التي أصاب تلك الأرض كما ذكرنا في سورة الزلزلة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)) إذا كانت الأرض ستخرج ما فيها فكيف حال الإنسان؟ لا قيمة له!
د. الخضيري: ولذلك لما ذكر حال الناس عندما تأتي هذه القارعة وهي أنهم ينتشرون كالفراش قال بعدها (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7))
د. الربيعة: بماذا تثقل الموازين؟
د. الخضيري: هذا هو السؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا ولذلك أقول هذه النقطة بعد هذه المقدمة في ذكر القارعة هي التي يجب أن يلتفت لها نظر المؤمن. إسأل نفسك، هل عملت على أن تثقّل موازينك؟ إن هذا السؤال يجب أن يلاحقك في يومك وليلك بل في كل ساعة من ساعات يومك وهي كيف أثقّل موازيني؟ إن ساحات العمل كبيرة وإن العمل متاح وتثقيله لا يلزم منه أن الإنسان يكون عنده مال ولا يلزم الإنسان أن يكون عنده زوجة ولا يلزم أن يكون الإنسان عنده ولد ولا سيارة ولا بيت، يمكن أن يقوم بأعمال صالحة كثيرة جداً، ذكر الله، تلاوة القرآن، الصلاة، الصوم، نصيحة الخلق، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، أعمال كثيرة.
د. الربيعة: وقبل ذلك وبعده التوحيد الذي يثقل الميزان حقيقة.
د. الخضيري: نعم وتعرف حديث البطاقة، الرجل الذي جاء يوم القيامة وله سيئات كالجبال من كثرتها حتى إذا ظنّ أنه هالك قال له الله تعالى إنك لا تُظلم، فيؤتى له ببطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله، فيقول ما تغني هذه البطاقة عند هذه السجلات؟! فتوضع السجلات على كفة ولا إله إلا الله على كفة فتطيش بهن لا إله إلا الله، يعني تثقّل الميزان. لا إله إلا الله قيلت بصدق وحق وتوحيد بإيمان وإخلاص ويقين فنفعت وليس أن يقولها الإنسان بلسانه وهو لا يفهم من معناها شيئاً أو يقولها ويُشرك مع الله سواه.
¥