كثير من السور والآيات، يقول الله تعالى في التأصيل لهذا المنهج، مستنهضا عقول المتدبرين:
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
فالذي يسوي بينهما، كانت خطواته على خطى ابليس، وكثيرون هم الآن. فالآية تدلك إلى ضرورة أن تقيس ما يقاس، وتسوي بين ما يتساوى لا غير ذلك.
ومثله قوله تعالى:
قل هل يستوي الأعمى والبصير ..
ولعلك تقرأ قوله تعالى:
ولا يستوي البحران ..
وهذا الحكم دل على أن من الأشياء ما لا يصح أصلا قياسها ببعض.
ومثله قوله تعالى:
لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ...
ومثله قوله تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب ..
ولعل بيان تعديل الأمر بمثله يوضحه قوله تعالى:
للذكر مثل حظ الأنثيين ..
والله تعالى أعلم ..
بعد المحاضرة، كانت جلسة النقاش، وقد أجاب المهندس عدنان الرفاعي على بعض الأسئلة وغفل عن بعضها وربما أغفل بعضها .. طبعا لضيق الوقت ..
بعد ذلك امتطينا الحافلة نحو مركب ديار السلام التجاري، للفطور وتناول وجبة الغداء، وهذا المركب على ضخامته لا يبيع خمرا، ولله الحمد والمنة، وأظنه المركب الوحيد بتلك الضخامة التي لا تجد فيه شيئا من المسكرات.
جلس الأخ عدنان الرفاعي هو والدكتور فهد الرومي والدكتور محمد صفا حقي وآخرون على نفس الطاولة، ودار بينهم حديث ونقاش كبير. وكان مما لاحظت في ذلك النقاش سرعة الكلام وتلويح اليدين ومحاولة كل واحد أن يدلي بدلوه أولا ويقنع الآخر.
كنت أنظر إليهم من حين لآخر، وأستذكر عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان يتحدث، وكيف كان يعيد الكلام مرتين، ولا يسرع في الكلام. كيف يسمع إليه الناس، ويسمع منهم .. صلى عليك الله يا سيدي يا رسول الله، طبت حيا وميتا.
كنت جلست على طاولة أخرى، ومعي سعوديان جلسا بجانبي، لا أعرفهما، ولكنهما طبعا في قلبي وأخذا مكانا فيه. وكان معنا الشاعر المغربي جلول الدكداك، وهو رجل أبيض اللحية يتقد حكمة، وبجانبه أخي الحبيب محمد بن السريع السريع، وقد ولج في القلب أسرع من السريع .. كانت عيناه تنبؤك بتواضعه، وهيأته تحدثك عن جمال قلبه. بجانبه أخ من الجزائر لا أعرف اسمه، ابيض الشعر جله، كثير الابتسامة حتى لكأنك ما نظرته إلا مبتسما كأن البسمة قد رسمت على وجهه خلقا وخلقا، بجانبه الأخ عبد الرحمن السعدي، وقد عرفت لما نطق أنه تونسي .. وكان ملازما للأخ الجزائري كالتوأمين .. وكان جالسنا أخ مغربي أظن أني أعرفه لكني نسيت اسمه، لأني أعرفه بقلبي ..
أخذنا الشاعر جلول للحديث عن المصطلحات وكيفية تصحيحها. وقال رأيه بخصوص وصفنا للظواهر العددية في القرآن بالإعجاز، وقال أن الأولى الحديث عن الإحكام لا على الإعجاز .. وكنت سألته: هل أن كل محكم معجز؟ فأجاب بالنفي، وسألته: هل لأحد من البشر أو الجن أن يأتي بكتاب هو في إحكام كتاب الله تعالى؟ فأجاب بالنفي، لكنه بقي يحكي على وجوب تحرير المصطلحات وتدقيقها .. ودار حديث نسيت أكثره.
ونحن كذلك جاءني المهندس حسن فتاح ليعلمني بوصول الأخ عبد الله جلغوم. وكنت إلى ذلك الوقت لا أعرف الأستاذ جلغوم إلا من خلال ما أقرأ عنه أو من خلال الايميلات والمحادثات عبر النت .. لما وصلته احتضنا بعضينا، لكنه لم يكن يدرك أني هو الذي أكلمه، فهو الآخر لا يعرفني .. ومع أني أصغر سنا منه إلا أني عرفته قبل أن يعرفني .. كنت اعتقدت أنه عرفني هو الآخر تكلمنا قليلا ثم همست في أذنه بشيء، فنظر إلي والعجب في عينه وقال لي: عمارة؟ قلت: نعم، نهض من جديد وسلم علي .. ثم قال: لم أعرفك في البداية، السفر أتعبني .. تحادثنا قليلا .. ثم اتفقنا أن نلتقي في المساء، فقد كان مجهدا نوعا ما، وقال لي أنه لابد له أن ينام قليلا ..
بعد الصلاة عدنا إلى كلية العلوم بالرباط أكدال، لنتابع وقائع الجلسة الثانية التي محورها التأصيل. وكانت المحاضرة الأولى بعنوان: التأصيل الشرعي لدراسات الإعجاز العددي، قدمتها الأستاذة الفاضلة الأخت إيمان كاضم حبيب.
¥