صعدت إلى غرفة الأخ جلغوم فوجدت عنده الأخ حسن عبد الجليل العبادلة .. جمعنا حديث جميل عن يومي المؤتمر .. عن ما كان وما ينبغي أن يكون، عن عامل الوقت وعن مستوى البحوث. ودار بيننا حديث عن التأصيل وأفادنا الأخ حسن بكثير في هذا الجانب، فقد كانت محاضرته حول تأصيل فكرة الإعجاز العددي في القرآن الكريم. لكن الوقت حال دون أن يعطينا كثيرا من جزئيات بحثه .. ونحن كذلك، إذ طرق الباب، فإذا هو الأخ نعيمان، قلت: نعيمان؟ أزعجناك يا أخي، فقال لي باشا: ما أزعجتني يا أخي، رفع الله قدرك .. وكان هذا من بين دعائه الذي حفظته منه، رفع الله قدره وجزاه الفردوس الأعلى.
ودار بيننا حديث طويل نسيت أغلبه، ربما على حد قول الأخ عبيد سليمان الجعيدي أنه لأجل انه ما كان عندنا جلسة شاي، مع أني لا أشرب الشاي. ثم ودعنا الأخ الجليل حسن عبد الجليل .. وعدنا ثلاثة مرة أخرى بعد أن كنا أربعة.
لست أدري كيف مر الوقت سريعا تلك الليلة، عند الساعة الثانية كنت أنا من سينسحب، لأني مسافر تلك الليلة، حين أردت الخروج خرجا معي .. كان أمرا صعبا علي تركهما .. وقفا عند السلم ونزلت، فكنت أود لو أني صعدت ثانية، لكن كان لابد لي من الذهاب .. سمعتهما يتحدثان فلا أدري ماذا قالا، لكني أعلم أنهما أيضا تركاني ولهما إلي شوق عظيم.
إن كنت أغضبت أحدا بكلماتي فله أعتذر .. وإن كنت نسيت أحدا لم يذكره لساني فله في القلب منزلة. فإني نسيت أكثر ما جرى.
وكما قلت: لو ما جنيت من المؤتمر إلا محبة هؤلاء الناس لكفاني .. والحمد لله قد جنيت الكثير.
أسأل الله المغفرة لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمارة سعد شندول
رضي الله عنك أخانا الحبيب الدّكتور عمارة ورفع قدرك http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon10.gif وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنّة. والمارّين هنا وأحبّاءنا جميعاً.
فقد أتحفتنا بهذه اللقطات المباركات، وهذه المشاعر الجيّاشة الّتي تكنّها لإخوانك من أهل العلم وطلبته.
فصفاء قلبك أخي الحبيب هو الذّي جعلك لا ترى إلا المشاهد الحسنة، والإيجابيّات الكثيرة، وحبّك لإخوانك لا تجرح مشاعرهم أبعدك عن النّقد الإيجابيّ الفاعل، والحقّ دوماً مرّ إلا عند من استشعر عظم الحقّ فوق ذاته وشخصيّته والنّاس.
فلو استطعنا أن لا نرى أحداً إلا الله أو لا يرانا أحد إلا الله عند النّقد كأنّنا أخو السّرار لكانت هي هي والله.
يا ليتنا نستطيع! إذن لبلغنا أعلى درجتي الإحسان.
وأنا أعلم أنّ في جعبتك يا ابن سعد الكثير ممّا تستطيع به نقد أغلب البحوث الّتي كانت تعرض أمامنا؛ ولكن ما سبق جعلك تحجم.
وصدّقوني لم أر شخصاً حتّى اليوم -إلا قليلاً- يثير أسئلة تشبه الإفحام للخصم مثل أسئلة أخي عمارة. فقد كانت أسئلته مربكة لأكثر من سألهم؛ وقد كان يلتفّ حوله كلّ من في المؤتمر وذلك بعد أيّة مناقشة يقوم بها؛ وبخاصّة عقب مناقشة المهندس المعروف الّذي يثير زوبعة حيثما حلّ: عدنان الرّفاعيّ؛ الّذي أصبح اليوم كما هو معروف؛ بسبب الهجوم الكاسح عليه بكلّ قسوة وعنف منذ عام 1994م من بعض المشايخ من أسف.
استعدوه فخسرته الأمّة -أو هكذا أزعم- وإنّني لم أر مثل طيبة هذا الرّفاعيّ، وسرعة رجوعه إذا اقتنع، وحسن اعتذاره، وتقبيل رأس خصمه إن رأى أنّه قد تجاوز. ومع ذلك فهو لا يرى ضعف أحاديث البخاريّ كما ذكر أخي الحبيب عمارة؛ وإنّما يرى أنّ أكثر من 2000 أجل ألفي حديث عند البخاريّ موضوعة لا ضعيفة. وقد جالسته مرّات وكان يحرص على القرب منّي ومن أخي عمارة، وفي رحلة العودة رافق أخانا الحبيب جلغوم.
وهو ينكر النّاسخ والمنسوخ، وينكر الجمع في الصّلوات إلا في صلاة الخوف، وكثيراً ممّا تلقّته الأمّة بالقبول؛ بسبب الإعجاز العدديّ عنده. أصدقكم القول: إنّه عندي منحرف في الفكر، مبدع في الإعجاز العدديّ، سهل مع خصمه؛ بل أسهل من كثير ممّن يكتب هنا من أسف. يقول لك: أقنعني وسأتراجع فوراً.
دعوته أن يكتب هنا على اعتبار أنّ هذا الملتقى لنا جميعاً وأنّني أستطيع دعوة أيّ أحد. لنحاوره عن قرب، ونردّ عليه شبهاته الّتي يثيرها مقتنعاً بها. لعلّنا نستطيع إقناعه وإرجاعه بعد أن صار علماً تتلقّفه القنوات وبعض الشّخصيّات وأخشى أن يكون هناك بعض الهيئات الّتي تعرفون.
أعود إلى أخي عمارة: هذا الفتى التونسيّ المتواضع؛ لم يكن يدعني أحمل حقيبتي والله. قد أخجلني وضاعف من مودّتي له وحبّي إيّاه وشوقي إليه.
ولقد حصل معي موقف؛ إذ نزلت من الباص الّذي يقلّنا إلى الفندق بسبب التّلوّث البيئيّ منه فنزلت أسعل سعالاً شديداً؛ فإذا به -رضي الله عنه وأرضاه- خلفي يدلّك لي جبيني ويضع يده على ظهري كأمّ رؤوم، ثمّ وقف قبالتي فقلت له من تحت المغفر: أأنت ناجح اجتماعيّاً؟
فأربكه سؤالي غير المتوقّع من رجل مكحكح مثلي! فقلت له مكمّلاً: هل تحبّ والديك ويحبّانك وتشتاق إليهما، فبدأ يتحدّث عن والديه حديث فتاة معجبة وكلّ فتاة بأبيها معجبه؛ لكنّه فتى ولا أيّ فتى!
فعقّبت على كلامه: إنّ كثيراً من المغتربين عن بلادهم يقولون ببطولة في غير محلّها: نحن نستطيع أن نبتعد عن أهلنا أباً وأمّاً وزوجاً وولداً سنوات طوال دون أن نشعر بالغربة. وهذا فاشل اجتماعيّاً. وآخر يقول لك أكون بجوارهما ولا أصبر عنهما وعمارة وأنا من الصّنف الآخر.
رغم ضآلة جسمه (كتكوت أو عصفور لا يهمّ)، وصغر سنّه؛ فهو كبير في عقله، وفي علمه، وفي تواضعه، وفي أدبه، وفي ثرثرته المفيدة، وحركته الدّائبة. فهنيئاً لبطن حملك أيا عمارة وهنيئاً لأب أنجبك، وهنيئاً لبيت ضمّك. وهنيئاً لمن نال شرف صحبتك، وأيقن أنّ في الدّنيا بشراً صالحين أمثال أخي وحبيبي عمارة.
والله لا أريد أن يتوقّف القلم عنك؛ ولكن لا بدّ من ذلك، رُغم أنّي أشعر أنّي قد قصّرت في ذلك.
وصلّى الله على حبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
¥