تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي حين ينفرد كل جنس بأسماء لا تعد ولا تحصى، خصوصا في ظل تزايدها يوما بعد يوم انسجاما مع التطور الحاصل على كافة الصعد، إذ أصبح ثمة وجود لما يسمى «عولمة الأسماء»، كما يطيب للباحث والأستاذ الجامعي اللبناني الدكتور حسان حلاق أن يقول. وتنتشر في المجتمعات العربية ظاهرة الأسماء المشتركة بين الإناث والذكور، والتي يلاحظ أنها تعود الى صفات تضيف الى حاملها ميزة خاصة توحي بميل الأهل الى وضع ابنهم/ ابنتهم في اطار توجههم أو أفكارهم الناتجة عن أسباب اجتماعية أو ثقافية أو سياسية.

وما سهّل المهمة على العرب، بحسب الدكتور حلاق، هو غنى اللغة العربية التي تسمح باستخدام ما يسمى «الصيغ العربية المشتركة» سواء في اطار الاسماء أو المصطلحات. ويعطي حلاق مثالا على ذلك استخدام الشعراء العرب في مصر وبلاد الشام في العهود الأموية والعباسية ألفاظا مشتركة بين الاناث والذكور: مثلا دأبوا على مناداة المرأة والرجل بـ «يا سيدي» من دون تفرقة بين الجنسين، وهذا ما انسحب أيضا على الشعراء الاسبان الذين تأثروا بالشعر العربي وغازلوا المرأة بلفظة «ميوسيت» التي تعني «يا سيدي».

ويوضح حلاق «اعتاد العرب منذ ما قبل الاسلام إطلاق أسماء موحدة على القبائل والرجال والنساء، مثل قبيلة ربيعة، الاسم الذي حمله آنذاك الجنسان، ومنهم والد الشاعر عمر بن أبي ربيعة». ويضيف حلاق «منذ ذلك الحين تورثت الأسماء، وهي ما زالت موجودة في عصرنا، وإن اتجهت نحو الأسماء التي تلائم الجنسان، ولا تميل الى فئة منهما من دون أخرى، كتلك الأسماء المنتشرة في مجتمعاتنا، مثل، سماح ووسام وسلام ورحاب .. ».

ويؤكد الدكتور عبدو قاعي، المتخصص في علم الاجتماع، أن شيوع هذه الظاهرة في المجتمعات العربية يعود بالدرجة الأولى الى المعاني التي تحملها هذه الأسماء، وهي صفات يعتمدها العرب لإضفاء سمات تميز أبناءهم عن غيرهم. ويقول الدكتور قاعي «تنفرد لغتنا ومجتمعاتنا العربية بهذه الميزة التي تسمح باستخدام صفات مشتركة بين الجنسين، وهي غير قابلة للتأنيث، ما جعل العرب يستفيدون منها في تسمية أبنائهم، وهي إضافة إلى ذلك تلعب دورا إيجابيا، نظرا لبعدها عن الأسماء الدينية التي تعكس انتماء الفرد الطائفي أو المذهبي».

ويعزو الدكتور حلاق اعتماد هذه الأسماء الى أسباب وراثية واجتماعية ودينية وسياسية برزت بشكل واضح في تاريخ الشعوب العربية التي أطلقت على أبنائها أسماء القادة والشخصيات التي تركت بصمة في تاريخهم. ويعطي مثالا على ذلك اسم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي تحمل اسمه أجيال بعينها من العرب النساء والرجال الذين تسارع أهلهم الى تسميتهم باسمه اعجابا بشخصيته وإنجازاته. وما ساعد على ذلك امكانية اطلاق الاسم على الجنسين في الوقت عينه، ويضيف «وكذلك كثرت هذه الظاهرة في فترة المد القومي حين انطلقت المقاومة الفلسطينية عام 1965 اذ كثرت في ذلك الوقت الأسماء التي لها علاقة بالمقاومة والنضال مثل: جهاد ونضال وكفاح وحنين .. وكلها مستوحاة من الحالة العامة التي تعيشها المجتمعات العربية في حربها وأزمتها مع اسرائيل».

وبشكل عام يقول حلاق «تلعب ثقافة العائلة دورا مهما في اختيار الأسماء، اذ تبتعد العائلة المثقفة عن الأسماء القديمة أو الكلاسيكية الخالية من أي معنى أو الدينية التي تعكس مباشرة هوية الشخص وانتماءه الطائفي، لذا تكثر في هذه الأوساط الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث والتي تحمل في معظمها معان وصفات حميدة».

ويشير حلاق الى أنه رغم وجود أسماء موحدة في بلدان عربية عدة، قد تتفرد بعض الدول بأسماء دون غيرها، وهذا يعود الى السائد الموروث الأكثر حضورا في مجتمع كل منها. فمثلا تكثر في السودان والخليج العربي أسماء مشتركة بين الاناث والذكور مستوحاة من الأحجار الكريمة، كجوهر ولؤلؤ ومرجان/ مرجانة، وياقوت. وليس ثمة تفسير مؤكدا لهذا، سوى ان ثمة حقيقة عالمية تشير إلى أن التسمية، وفي أية بقعة في العالم، تنبع من داخل المجتمع .. تاريخه واقتصاده وسبل كسب العيش فيه، أحيانا، وأمانيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير