وإذا نظر إلى مصائب الآخرين الكثيرة هانت عليه مصائبه الصغيرة، فامتلأ قلبه بحمد الله، ولهج لسانه بشكره سبحانه، واستحيت جوارحه من أن تعصي هذا المنعم الكريم، أو أن تقصر في شيء من حقوقه سبحانه.
المؤمن يتألم لألم إخوانه
ينبغي لمن نظر في هذه المشاهد على أرض الواقع أو في الصور ومقاطع الفيديو أن يتحرك قلبه تجاه المصابين والمنكوبين، وتدمع عينه، ويلهج لسانه بالدعاء بالرحمة لمن مات، والتثبيت والعوض لمن ابتلي، ويسعى لإعانة من يحتاج إلى العون، ويسأل الله تعالى له ولإخوانه السلامة والعافية.
ابتلاءٌ للمؤمن وعقوبة للعاصي وتخويف للناس وتمحيص للناظرين والمتكلمين
إن الابتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون دارًا للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35].
فما حدث ابتلاء ابتلى الله به عباده المؤمنين ليرفع درجاتهم ويقوي إيمانهم {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
وفيما حدث تذكير لأهل المعاصي والذنوب بالتوبة والإنابة إلى الله {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}.
قال بعض السلف: " لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة ".
فالواجب في مثل هذه الحال التوبة وكثرة الاستغفار وأخذ العظة والعبرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد ". فتاوى ابن باز (9/ 160)
فالواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا من أسباب غضبه ونقمته، والله جل وعلا يقول: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}.
فالمصائب منها تكفير، ومنها تذكير، ومنها عقوبة.
وقد تجتمع هذه الثلاث في مصيبة واحدة فتكون لبعض الناس تكفيرا لذنوبهم ورفعة لدرجاتهم وتكون لآخرين غافلين تنبيها وتذكيرا، ولنوع ثالث عقوبة على معصية مستعلنة أو خفية وقعوا فيها وتكون تمحيصا وكشفا لحال من يتكلم في هذه الأحداث
سؤال الله حسن الخاتمة.
فقد نقلت الأخبار قصصا لأناس قبض الله أرواحهم في مساجد أو بعد خروجهم منها وقد جاء السيل وقت صلاة الظهر وبعضهم صائمون لله تعالى، يتقربون إليه في أيام العشر الفاضلة، فجمع الله لهم من المبشرات: الغرق الذي هو شهادة، والموت على عبادة، وبعد أداء فريضة، فما أعظم ما حصّلوه، اللهم فارزقنا حسن الخاتمة.
الناس معادن
إن من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام قوله: (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ... ). رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) واللفظ له.
فالمعادن تشتمل على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس، وكذلك الناس مختلفون في الشرف وكرم النفس والسلوك.
فمن الناس من معدنه نفيس كالذهب، ومن الناس من معدنه خسيس كالحديد.
وقد كشفت هذه المحنة حقائقَ كثيرٍ من الناس ومعادنِهم وأخلاقهم، فمن الناس من لا يُعرف معدنه إلا في المِحَن.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ". شعب الإيمان (7/ 219)
فظهر المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم متمثلين قوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) ..
¥