قال البنانيّ: وجه المشهور عن مالك عمل أهل المدينة، وذلك لما في العتبيّة أنّه قيل لمالك إنّ أبا بكر الصّدّيق سجد في فتح اليمامة شكراً، قال: ما سمعت ذلك، وأرى أنّهم كذبوا على أبي بكر، وقد فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين فما سمعت أنّ أحداً منهم سجد.
واحتجّ ابن المنذر لأصحاب هذا القول بأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب، فرفع يديه ودعا، فسقوا في الحال ودام المطر إلى الجمعة الأخرى، فقال رجل يا رسول اللّه: تهدّمت البيوت وتقطّعت السّبل فادع اللّه يرفعه عنّا، فدعا فرفعه في الحال» قال: فلم يسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لتجدّد نعمة المطر أوّلاً، ولا لرفع نقمته آخراً.
واحتجّ أيضاً بأنّ الإنسان لا يخلو من نعمة، فإن كلّفه لزم الحرج.
الحكم التّكليفيّ
3 - مذهب الشّافعيّة والحنابلة في حكم سجود الشّكر عند وجود سببه أنّه سنّة، لما ورد من الأحاديث الدّالّة على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يفعله.
وقد أفاد الزّرقانيّ - على القول بمشروعيّته عند المالكيّة - أنّه على هذا القول غير مطلوب، أي ليس مستحبّاً، ولكنّه جائز فقط.
ومشهور مذهب المالكيّة أنّ سجود الشّكر مكروه، وهو نصّ مالك، والظّاهر أنّها عنده كراهة تحريم.
ومذهب أبي حنيفة الكراهة، إلاّ أنّهم صرّحوا بما يدلّ على أنّها كراهة تنزيه، فعبارة الفتاوى الهنديّة: سجدة الشّكر لا عبرة بها، وهي مكروهة عند أبي حنيفة لا يثاب عليها، وتركها أولى.
«أسباب سجود الشّكر»
4 - يشرع سجود الشّكر عند من قال به لطروء نعمة ظاهرة، كأن رزقه اللّه ولدًا بعد اليأس، أو لاندفاع نقمة كأن شفي له مريض، أو وجد ضالّةً، أو نجا هو أو ماله من غرق أو حريق.
أو لرؤية مبتلىً أو عاص أي شكراً للّه تعالى على سلامته هو من مثل ذلك البلاء وتلك المعصية.
وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يسنّ السّجود سواء كانت النّعمة الحاصلة أو النّقمة المندفعة خاصّةً، به أو بنحو ولده، أو عامّةً للمسلمين، كالنّصر على الأعداء، أو زوال طاعون ونحوه.
وفي قول عند الحنابلة: يسجد لنعمة عامّة ولا يسجد لنعمة خاصّة، قدّمه ابن حمدان في الرّعاية الكبرى.
ثمّ إنّه عند الشّافعيّة والحنابلة: لا يشرع السّجود لاستمرار النّعم لأنّها لا تنقطع.
ولأنّ العقلاء يهنّئون بالسّلامة من الأمر العارض ولا يفعلونه كلّ ساعة.
قال الرّمليّ: وتفوت سجدة الشّكر بطول الفصل بينها وبين سببها.
«شروط سجود الشّكر»
5 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ سجود الشّكر يشترط له ما يشترط للصّلاة، أي من الطّهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النّجاسة.
وعلى هذا فمن كان فاقد الطّهورين ليس له أن يسجد للشّكر كما صرّح به الشّرقاويّ.
وعلى القول بجواز سجود الشّكر عند المالكيّة فالمشهور أنّه يفتقر إلى طهارة على ظاهر المذهب، واختار بعض المالكيّة عدم افتقاره إلى ذلك، قال الحطّاب: لأنّ سرّ المعنى الّذي يؤتى بالسّجود لأجله يزول لو تراخى حتّى يتطهّر.
واختار ابن تيميّة أنّه لا يشترط الطّهارة لسجود الشّكر.
«كيفيّة سجود الشّكر»
6 - يصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ سجود الشّكر تعتبر في صفاته صفات سجود التّلاوة خارج الصّلاة، وإذا أراد أن يسجد للشّكر للّه تعالى يستقبل القبلة ويكبّر ويسجد سجدةً يحمد اللّه تعالى فيها ويسبّحه.
ثمّ يكبّر تكبيرةً أخرى ويرفع رأسه.
قال في الفتاوى الهنديّة: كما في سجود التّلاوة، وقد قال في سجود التّلاوة: يكبّر للسّجود ولا يرفع يديه.
وإذا رفع من السّجود فلا تشهّد عليه ولا سلام.
غير أنّ في التّشهّد والتّسليم عند الشّافعيّة من سجود الشّكر بعد الرّفع ثلاثة أقوال أصحّها: أنّه يسلّم ولا يتشهّد.
وعند الحنابلة اختلاف في سجود التّلاوة هل يرفع يديه عند تكبيرتها الأولى أم لا، ومقتضى ذلك جريان الخلاف في مثل ذلك في سجدة الشّكر، ويسلّم، ولا تشهّد عليه.
وصرّحوا أيضاً بأنّه يعتبر في سجود الشّكر السّجود على الأعضاء السّبعة، وأنّ ذلك ركن فيه، ويجب فيه التّكبير والتّسبيح، إلاّ أنّه ليس فيه تشهّد ولا جلوس له، وأنّه تجزئ فيه تسليمة واحدة.
«سجود الشّكر في الصّلاة»
¥