تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[العلامة الاعرابية واثرها في انفتاح المعاني]

ـ[رحيل محي الدين]ــــــــ[25 - 07 - 2009, 05:56 م]ـ

العلامة الإعرابية و أثرها في انفتاح المعاني:

قد يرجع انفتاح المعاني في التراكيب و العبارات إلى ما يستدعيه نظامها التركيبي من الحركات الإعرابية المختلفة، و ذلك في ضوء ما تنفتح عليه الأبنية النحوية للجملة العربية من مختلف التقديرات و الوجوه الاحتمالية إن على المستوى التركيبي أولا الاستبدالي، وفي ضوء ما تتحلى به تلك الأبنية من مرونة في التركيب بسبب التقديم و التأخير و إن في ذلك من المرونة و التوسع ما يمكن المتكلم من التعبير عن مختلف المعاني التي يريدها و الأغراض التي يقصدها ولنتأمل الأمثلة التالية:2

- قرأت الكتاب حتى خاتمتَهُ.

- قرأت الكتاب حتى خاتمتُهُ.

- قرأت الكتاب حتى خاتمتِهِ.

لا نجد في هذه الأمثلة من الفرق في المبنى إلا ما كان من تغير في حركة التاء من (خاتمته) لكنه فرق ينجم عنه تغيير في المعنى ففي الجملة الأولى (خاتمتَهُ) لفظ معطوف على الكتاب وفي الثانية (خاتمته) مبتدأ من جملة استئنافية تقديرها ( ... حتى خاتمتُهُ قرأتها) و المعنى في الجملتين الأوليين قرأت الكتاب و قرأت كذلك خاتمته.

وفي الثالثة (خاتمتِهِ) اسم مجرور بـ (حتى) التي تكون للغاية، والمعنى قرأت الكتاب إلى غاية خاتمته. إما بتقدير المعنى للغائية تكون فيه الخاتمة مشمولة في المقروء، وإما بتقدير تكون فيه الخاتمة غير مشمولة في المقروء. إذن أي تغيير في الإعراب يلحقه تغيير في المعنى نحو قولك: (بعت طعامك بعضَه مكيلا وبعضَه ميزونا) في حال البيع فإن رفعت

فقلت بعت طعامك بعضُه مكيل وبعضُه موزون فيكون الوزن و الكيل قد لحقاه قبل البيع و ليس بصفة للبيع.

ونحو قولهم: "سل أيُهم قام" و" سل أيَهم قام" ففي رفع "أيّ" تكون استفهامية، ويكون المعنى "سل الناس أيهم قام؟ " وفي النصب تكون "أيّ" اسما موصولا و المعنى سل القائم.

و نحو: "طعن الغلام جانب الرجل الأيسر"فإذا قلت الأيسر بالرفع كان وصفا للغلام، و إذا قلتها بالنصب كان وصفا للجانب، وإذا قلتها بالجر كان وصفا للرجل.

و من أمثلة أثر الإعراب في تأويل المعاني و توجيهها، ما يظهر في إعراب الفعل المضارع فقد تتوارد عليه معان مختلفة فلا يتبين المعنى إلا بالإعراب، وذلك كالنفي و النهي نحو: "لا يضرب محمد خالدا" فإنك إذا رفعت يضرب كنت نافيا، و إذا جزمت كنت ناهيا.

و نحو:"أعطني فأمدحك"، فإذا رفعت "أمدحك " كان المعنى أعطني فأنا أمدحك، والفاء استئنافية أي أنا قائم بمدحك فأعطني، و إن قلتها بالنصب كان المعنى أعطني لأمدحك و الفاء سببية و المعنى أن المدح غير حاصل، ونحوه "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" فإن نصب "تشرب" دليل على النهي عن المصاحبة، و جزمه دليل على أنه نهي عن أكل السمك، وشرب اللبن على كل حال اجتمعا أو افترقا، ورفعه دليل على إباحة شرب اللبن ونهييه عن أكل السمك1.

و تقوم العلامة الإعرابية بدور كبير في تحديد معاني الأدوات التي يتحد مبناها وتتعدد وظائفها، وهذه الأدوات تضام أشياء أخرى وسنذكر نماذج عن ذلك2:

- كم: وقد عقد لها سيبويه بابا مستقلا قال في أوله: (اعلم أن لـ "كم" موضعين أحدهما للاستفهام وهو الحرف المستفهم به بمنزلة كيف و أين، والموضع الآخر الخبر ومعناها "رب"3، فإذا نصب الاسم بعدها فهي للاستفهام، و إذا جر أو رفع كانت خبرية نحو: كم رجل أكرمت، و كم رجلا أكرمت؟

- اللام: إذا جزم المضارع بعدها فهي لام الأمر أو الطلب، فإذا نصب فهي للتعليل.

- أن المخففة: إذا نصب المضارع بعدها فهي المصدرية، و إذا رفع فهي المخففة من الثقيلة.

وللحركة الإعرابية أهمية كبيرة في تمام المعنى أو عدم تمامه نحو: "أشهد أن محمدا رسول الله" برفع رسول كان المعنى تاما، ولو قلتها بالنصب لم يتم المعنى حتى تأتي بالخبر.

والإعراب إنما هو الدلالة على المعاني المختلفة حقيقة ليس فيها شك و إلا فمن ينكر قولنا مثلا 1: "أرهب الناس سلمان" إذا كان غفلا احتمل معاني عدة و لا يتضح المعنى المراد إلا بالإعراب وذلك نحو:

أرهبَ الناسُ سلمانَ أرهبَ الناسَ سلمانُ

أرهبُ الناسِِ سلمانُ ارهبِ الناسَ سلمانُ

إذن فالحركة الإعرابية تبين المعاني و تكشف عنها و تسمح بتحديد معاني الأدوات ولولاها لكان الكلام مبهما غير مفهوم فلا يتضح المعنى المقصود إلا بها، وهي على ذلك من القرائن الهامة التي أكسبت نظام الجملة العربية مرونة في التركيب وسعة و انفتاحا في المعنى.

و الجدير بالاهتمام أننا حينما نتعرض إلى ظاهرة التقديم و التأخير في اللسان العربي إلا و نشير إلى خاصية الإعراب باعتبارها قرينة كبرى تحصل بها إمكانية التوسع بالتقديم و التأخير، وتمتنع بوجودها قرينة الرتبة إلا فيما يدخل على التركيب من الطوارئ، فقد يطرأ على الرتبة غير المحفوظة ما يدعو إلى حفظها مما يخشى معه اللبس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير