تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم أكن طالبة نجيبة , واسعة المعرفة , لاأدعي ذلك , ولم أكن مجتهدة بما يكفي , أعترف بهذا , وفي السنة التمهيدية , شعرتُ بأن التفوق لطالب الدراسات العليا أمر سهل , إذ حصلتُ أنا على هذا المعدل العالي فيها .. !! , ولكني رغم هذا كنت على معرفة تامة بأن المرحلة الأصعب لم تأتِ بعد .. !!

حضرتُ محاضراتي , وأديتُ بحوثي , وحاولتُ التزود من كتب خارجية , ولكني لم أؤؤدِ هذا كما ينبغي , أو بالقدر الذي ينبغي , ولكني كنت كالمجبر على إتمام الدراسة , وكم تضحكني كلمات إحدى رفيقاتي حين تقول: (كأن أحداً يسحبنا كل ليوم سحباًً لنحضر للجامعة) , كانت محاضرات البلاغة وتاريخ البلاغة التي يعطيناها شيخنا المولعُ بعبد القاهر , ممتعة بالنسبة لي , وإن كانت متعبة , ولانحظى منها سوى بعشر دقائق تمر بسرعة قبل أن ننهي فطورنا , مما حدا بنا أن نحاول شراء فطورنا قبل دخول المحاضرة كي يكفينا الوقت لإراحة يدينا , وإشباع جوعنا , وتبادل الأحاديث القليلة في الأمور الدراسية الأخرى , علَّمَنا هذا الشيخُ الكثير , كان يستمتع وهو يتحدث عن العلماء وآرائهم , ويناقشها , كان كمن يستحضرهم معنا , وكنا نشعر بهذا , كان هذا الأمر ممتعاً جداً بالنسبة لي , علَّمَنا أن التعامل مع كتب التراث فن , لا يتقنه كل أحد , كان يلتذًّ بالبلاغة , هذه اللذة التي قلَّ أن يجدها أحد , عن الكثير من المتعة أتحدث , رغم التعب , والجهدِ الذي نبذله لملاحقة حديثه , والكتابة خلفه , كان يتضايق كثيراً إذا قطعنا عليه متعته بإلقاءِ المحاضرة , لأن الوقت انتهى , كان حريصاً على كل ثانية , وهذا هو سمتُ أهل العلم , كان يعلمنا الكثير , الكثير من العلم , والكثير من أخلاق المتعلمين أيضاً.

كان مرشدي يعطينا المادة باختصار وتركيز , كانت المادة مرتبة ولذيذة , ومفعمة بالمعلومات الجديدة , والواسعة.

كان كل أساتذتي سبعينيون , ولكل منهم مشربه , كان لدينا أستاذٌ يختلف عن شيخ البلاغة , فمحاضراته خفيفة لدرجة مبالغ فيها ربما , وقد لانكتب في اليوم الواحد سوى صفحتين أو ثلاث , وقد نحضرُ يوماً كاملاً ليتغيب الأستاذ , كانت مادتا ذاك الأستاذ , مادتين لملأ الوقت , وتلخيص معلومات سبق تعلمها , كانت محاضرات إنشائية , مليئة بالعبارات الجميلة , والأشعار المنتقاة , لكنها قليلة من ناحية الإضافة العلمية , ولكني كنت أستمتعُ إذا ماحطَّ بأستاذنا الهوى عند أحد الذكريات , وأنشد علينا من شعره , أو بعضِ الأشعار التي تعجبه.

أما الأستاذ محمود , فقد كان قليل الصبر علينا , وكنا نتلقى الكثير من العنت في التعامل معه , واتقاء غضبه الدائم علينا , ولكنه كان طيب القلب جداً في الحقيقة , رغم أننا نواجه صعوبة كبيرة في تلقي محاضراته , واحتمال سرعة غضبه , لاأذكر أن هناك ماكان يكتب في محاضراته , وإن كنا نقرأ القليل في كتب عبد القاهر , ولاأذكر أني وجدتُ شيئاً أذاكر منه يوم الامتحان , لكني كنت أستمتع بالكتابة الإنشائية في ذاك الامتحان , كان أجملُ مافي اختبارات الماجستير , أنها تقوي لدى طلابها ملكة الإنشاء , واستحضار المعلومات المنتقاة من الكتب , لا المتلقاة فقط من المحاضرات , كان التعاملُ مع آياتِ القرآن مجازفة صعبة , ولكنا نسأل الله المغفرة إن زللنا , كنتُ أستمتِعُ بتحليل الآيات , وأغوصُ كثيراً حتى أنسى كل ماحولي , وأنسى أني في اختبار , وأشعر بأني لستُ سوى في نزهة تأملية لآيات القرآن العظيم.

لا بد أن تلتقي أستاذاً لاتقوى على فهمه , ذاك كان هو أستاذ البحث , صاحب الشهرة العالية , والكتب واسعة الانتشار , واللقاءات الإعلامية , والكثير من النشاطات , وأذكر أننا درسنا عنه شيئاً ما في تاريخ الأدب السعودي , وسئلنا عن اسمه في الاختبار النهائي , وأخطأت كثيرات منا في اسمه.

غفر الله لنا وله , فقد كنا لانفهم إلا القليل مما يتكلم به , وكان يضيقُ ذرعاً إذا سمع صوت إحدانا , وياويل واحدة منا إن طلبت التواصل معه خارج المحاضرة , ورغم أنه يستجيب إذا طلبنا منه الإعادة , ولكننا حقيقة نخجل , لأنه كثيراً مايعيد ولانفهم , وكثيراً مايتكلم ولانفهم , وكثيراً مايظهر ضيقاً كبيراً إن سمع أصواتنا , كنا في اختبار صعبٍ , وكنت أحرص على معاونة قائدة القاعة في الكتابة , لعلنا نغطي لبعضنا مايفوت على الآخر , ولكن حتماً يفوتنا الكثير , كانت المادة بالنسبة لنا شيئاً غير واضحٍ أبداً , وكان الأستاذُ أيضاً شيئاً غير واضح , وأذكر أنه فجعنا بأول سؤال , حيث أحضر لنا مقطعاً من مخطوطة لنفك رموزها , وقد كان فك رموز أسطرها الأولى في المحاضرة كما تروي قائدة القاعة , ولكني كنت متغيبة ذلك اليوم , الكثيرات لم يستطعن فك رموزها , وعلا لغطٌ كبير ٌ في قاعة الاختبار , وأسكتونا بكل ماأوتوا من قوة , وحضرت عميدة الدراسات العليا لتخبرنا أنها لم تستطع الوصول إليه , لاأذكر بالتحديد , لكن أظنه كان مسافراً وقتها , أو لاأدري .. !! استجبنا لقدرنا , وابتلعنا الصدمة , وحاولنا تجاوزها , لنتمكن من حل الأسئلة الأخرى , تأخرنا في القاعة كثيراً , وسحبت منا الأوراق عنوة , وعلا لغط جديد , وغضب عتيد , وخرجنا وفي القلبِ ألف حسرة , وغصة .. ! حصلتُ على 85 من 100 كانت درجة عالية جداً بالنسبة لي , أحمد الله أني لم أرسب , أظن أن أحداً لم يرسب عنده , ربما واحدة لاأذكر , ولكن درجاتنا لم ترتفع للامتياز , سوى واحدة – حسب كلامه – ليست الأولى ولاأنا:) لعلها الثانية , وأخشى أن لاتكون واحدة منا حصلت على الامتياز , إلا إن خاف من مساءلة القسم أو ماشابه.!!!

يتبع ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير