تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحق أن استقرار المراد من هذه الحروف المقطعة ـ وإن لم تدرك أسراره ـ لا يخرجها عن حقيقة واقعها الصوتي في الأسماع، ولا جوهرها الأنصاتي لدى الإطلاق، فهي من جنس أصوات العرب في لغتهم، ومن سنخ حروف معجمهم، ومن روح أصداء لغة القرآن العظيم، ولا يمانع هذا الاستقراء على اختلاف وجهات النظر فيه من شموخ الصوت اللغوي في أضوائها، وبروز الملحظ الصوتي في تأويلاتها ـ توصل إلى الواقع أو لم يتوصل ـ على أن السلف الصالح مختلف في المراد من هذه الحروف المقطعة، أو الأصوات المنطوقة على قولين:

الأول: ان هذه الحروف في دلالتها وإرادتها من العلم المستور والسر المحجوب الذي استأثر به الله تعالى.

وادعى الشعبي: أنها من المتشابه، نؤمن بظوواهرها، ونكل العلم فيها إلى الله عزّ وجل (3).

وقد روى الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، واختاره الحسين بن علي المغربي (4).


(1) سورة ص: 5.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|170.
(3) (4) ظ: الطوسي، التيبان في تفسير القرآن: 1|48.

والقول أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها، ولا يعلم تأويلها إلا هو، هو المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في رواية أهل السنة (1).
وقد أنكر المتكلمون هذا القول، وردوا هذا الزعم، فقالوا: لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يفهمه الخلق لأن الله أمر بتدبره، والاستنباط منه، وذلك لا يمكن إلا مع الإحاطة بمعناه (2).
بينما أيدّه من المتأخرين كل من مالك بن نبي فقال:
«ولسنا نعتقد بإمكان تأويلها إلا إذا ذهبنا إلى أنها مجرد إشارات متفق عليها، أو رموز سريّة لموضوع محدد تام التحديد، أدركته سراً ذات واعية. . . (3).
والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري فقال:
«والحق أنها بحسب المعنى من المتشابهات التي استأثر الله تعالى العلم بها لنفسه، فلا يلزم الصاد الفحص عن حقيقتها، وبذل الجهد في إدراكها وفهمها بل لا بد من إيكال الأمر إليه تعالى» (4).
الثاني: أن المراد منها معلوم، ولكنهم اختلفوا فيه بعدة آراء تتفاوت قيمة ودلالة وموضوعية، وقد تداعت كلمات الأعلام في هذه الآراء حتى نقل الخلف عن السلف، واستند اللاحق إلى السابق بنسبة إليه وبدون نسبة.
ونحاول فيما يلي أن نعطي كشفاً منظّماً بأبرز هذه الآراء، ونعقبها بما نأنس به، ونطمئن إلى مؤاده باعتباره جزءاً من كليّ فرائدها، دون القطع بأنه مراد الله منها، أو القول به (5).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير