تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الدعة والاحتياج، يضاف إلى ذلك الدعاء من الأعماق «وقل رب ارحمها» مجازاة على تربيته صغيراً، والرحمة، وارحمها، لفظان متلازمان في بحة الحاء المنطلقة من الصدر فهي صوتياً مثلها دلالياً من القلب وإلى القلب، ومن الشغاف إلى الشغاف، وهنا يظهر أن الرحمة ظاهرة واقعية تنبعث من داخل النفس الإنسانية، فيتفجر بها الضمير الحي النابض بالطهارة والنقاء والحب السرمدي، فهي إذن لا تفرض من الخارج بالقوة والقهر والإستطالة، وإنما سبيلها سبيل الماء المتدفق من الأعالي لأنها صفة ملائكية، تمزج الإنسانية بالصفاء الروحي.

«والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو: رحم الله فلاناً. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف» (1).

فالله تعالى تفرد بالإحسان في رحمته إلى رعيته، فجاء له الحمد مساوقاً لهذه الرحمة (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) (2). ونشر الرقة بين البشر في الطباع (ليدخل الله في رحمته من يشاء) (3).

ولو تابعنا أصل المادة لغوياً لوجدنا ملاءمتها للمعنى صوتياً في الرقة واللحمة والتناسب، فالرحم رحم المرأة، قل تعالى: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشآء) (4). ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم من رحم واحدة نسبياً، لذلك قال تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) (5). ولولا قرابتهم لما كانت الولاية بينهم.

فكان الالتصاق في الرحم قد نشر الالتصاق بالولاية من جهة، وجدد الرحمة بالرقة والمودة والعطف الكريم.


(1) الراغب: المفردات: 191.
(2) الفاتحة: 2 ـ 3.
(3) الفتح: 25.
(4) آل عمران: 6.
(5) الأنفال: 75.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير