تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شيء (1). إن هذا النحو المستفيض لطبيعة تقسيم الأصوات، وتبويب ذلك في مجالات متعددة، تتلمس حقيقة الصوت مرة كما في الصوائب والصوامت، وتنظر علاقة الصوت بوتري الصوت مرة كما في المجهور والمهموس، وتراعي مخارج الأصوات بالنسبة لأجهزة النطق أو التصويت بعامة، إن هو إلا أصالة صوتية لا تدانيها أصالة بالنسبة لبيئة انطلاق هذه المعلومات معتمدة على النظر والحس والتمحيص الشخصي، دون الاستعانة بأي رعيل من الأجهزة أو المختبرات.

نتيجة هذا الجهد الشخصي لعلماء العربية، وصفت لنا شخصية كل صوت باستقلالية تامة، وذلك كل ما توصل إليه الأوروبيين بعد جهد وعناء ومثابرة جماعية لا فردية.

يقول إبراهيم أنيس «ولقد كان للقدماء من علماء العربية بحوث في الأصوات اللغوية شهد المحدثون الأوروبيين أنها جليلة القدر بالنسبة إلى عصورهم، وقد أرادوا بها خدمة اللغة العربية والنطق العربية، ولا سيما في الترتيل القرآني، ولقرب هؤلاء العلماء من عصور النهضة العربية، واتصالهم بفصحاء العرب كانوا مرهفي الحس، دقيقي الملاحظة، فوصفوا لنا الصوت العربي وصفاً أثار دهشة المستشرقين وإعجابهم» (2).

وكان الوصف ما رأيت في الأقسام السالفة.

تطور الصوت اللغوي:

تنتاب اللغات الحية تطورات أصواتية، تنشأ عنها تغيرات أساسية في اللغات، فيخيم عن ذلك تغيير ملحوظ بطبيعة الصيغ الكلامية، ويحدث تطوير في الوحدات التركيبية، وأهم من ذلك ما ينشأ من تغيير في الأصوات، يمكن حصره باختصار كبير في عاملين أساسيين هما: التحوّل التأريخي والتحول التركيبي.

التحول التأريخي عبارة عن تغيير وتحوير في القواعد والأصول لنظام


(1) قارن في هذا عند الخليل، العين: 51 ـ 60.
(2) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 5.

الأصوات في اللغة، نابع عن تحولات المجتمعات البشرية من ساذجة إلى متطورة، أو من بدائية إلى متحضرة، وما يرافق هذا التحول من تحول بالعلاقات الاجتماعية، والمناخ القومي العام، مما ينطبع أثره على الظواهر الاجتماعية وأبرزها اللغة لأنها أكبر ظواهره التفاهمية والتخاطبية، فتتحول تدريجياً إلى لغة متطور في كثير من أبعادها المرتبطة بتطور مجتمعها، إذ لا يمكن أن ينفصل التفكير في تحول مسار لغة ما عن التفكير في تحوّل مسار متكلمي تلك اللغة، فاللغة في تطورها جزء لا يتجزأ من المحيط في تطوره، وليس بالضرورة التطور إلى الأفضل بل قد تتطور اللغة إلى شيء آخر يعود بها التدهور والانحطاط، تفقد فيه جملة من خصائصها الفنية أو الصوتية أو الجمالية، وتنسلخ فجأة عن ملامحها الذاتية وتستبدلها بما هو أدنى قيمة لغوية.
وقد تزدهر ازدهاراً يفوق حد التصور إذا كانت بسبيل من حماية أصالتها كما هي الحال في اللغة العربية إذ يحرسها القرآن العظيم.
التحول التأريخي هذا لا يعنينا الاهتمام بأمره كثيراً في ظاهرة الصوت اللغوي، وإنما تعنى هذه الدراسة بالشق الآخر من التحول وهو التحول التركيبي الذي ينشأ عادة نتيجة لظواهر تغيير أصوات اللغة الواحدة، واستبدال صوت منها بصوت آنياً أو دائمياً، فما استجاب للإبدال الصوتي الموقت يطلق عليه مصطلح المماثلة، وما استجاب للإبدال الصوتي الدائم يطلق عليه مصطلح المخالفة. هذا ما يبدو لي في التحول التركيبي، وهذه علة هذين المصطلحين، وقد يوافق هذا الفهم قوماً، وقد لا يرتضيه قوم آخرون، ولكنه ما توصلت إليه في ظاهرتي المماثلة والمخالفة في التراث العربي واللغة منه بخاصة.
أ ـ المماثلة: Assimilation ، ظاهرة أصواتية تنجم عن مقاربة صوت لصوت، فكلما اقترب صوت من صوت آخر، اقتراب كيفية أو مخرج، حدثت مماثلة، سواء ماثل أحدهما الآخر أو لم يماثله.
والمماثلة أنواع أبرزها:
1 ـ المماثلة الرجعية، ومعناها: أن يماثل صوت صوتاً آخر يسبقه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير