تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4ـ ذكر في سورة الهمزة أن هذا الكافر يحسب أن ماله أخلده في الدنيا وأبقاه، وأنه لا يفارقها، فعوقب بذلك بالخلود في النار، وإطباق أبوابها عليه والاستيثاق بالعمد الممدة عليها، للدلالة على خلوده في النار أبد الآبدين فحسبانه الخلود في الدنيا مقابل لحقيقة الخلود في النار فهناك ظن وهنا يقين وهناك خلود مظنون في الدنيا وهنا خلود واقع حقيقة في النار.

5ـ ذكر في سورة الهمزة أن هذا الكافر يتعدى على الآخرين، فهو لم يكف أذاه عنهم، ولم ينلهم من خيره شيء، فهو يهمزهم ويلمزهم ويمنع خيره عنهم، فلم ينفق من ماله شيئاً فلما اعتدى على الآخرين وآذاهم انبغى له الحبس لتخليص الناس من شره وعدوانه.

والمحبوس تغلق عليه أبواب الحبس ويستوثق من إلاغلاقها وعدم فتحها لئلا يخرج منها فناسب ذلك زيادة الاستيثاق بالعمد الممددة على الأبواب لئلا تفتح في حين لم يذكر في سورة البلد سوى الكفر بآيات الله، ولم يذكر أنهم تعدوا على الآخرين.

6ـ إن المعذبين في سورة الهمزة كفار وزيادة، فهم:

1ـ كافرون.

2ـ يتعدون على الآخرين بالهمز واللمز والسخرية والتكبر.

3ـ أنهم جمعوا الأموال ولم ينفقوها.

4ـ يحسبون أن الأموال تخلدهم في الدنيا.

في حين لم يذكر في سورة البلد إلا الكفر.

فأولئك كفار وزيادة في العدوان، فاقتضى ذلك الزيادة في تعذيبهم وحبسهم.

فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه. ولو جعلت الزيادة في سورة البلد لم تحسن كما هو ظاهر.

وأما السؤال الأخير وهو: لماذا ذكر جزاء الكافرين ولم يذكر جزاء المؤمنين.

فالجواب عنه أن ذلك لمناسبة ما ذكر في أول السورة من خلق الإنسان في كبد، فلم يناسب ذلك ذكر النعيم وإنما الذي يناسبه ذكر الجحيم وما فيه من مشقة.

جاء في (روح المعاني): "وصرح بوعيدهم ولم يصرح بوعد المؤمنين، لأنه بما سيق له الكلام والأوفق بالغرض والمرام [85]

ثم انظر بعد ذلك إلى هذه السورة المحكمة النسج، كيف وضعت تعبيراتها لتؤدي أكثر من معنى.

فـ (لا أقسم) تحتمل النفي والإثبات.

و (حل) تحتمل الحال والمستحل والحلال.

و (ووالد وما ولد) تحتمل العموم والخصوص من آدم وذريته أو إبراهيم وذريته أو الرسول وآبائه. وغير ذلك على وجه العموم.

و (الكبد) تحتمل المكابدة والمعاناة، وتحتمل القوة والشدة، وتحتمل استقامة الجسم واعتداله وغير ذلك.

و (أيحسب) تحتمل العموم والخصوص، فهي تحتمل كل إنسان، وتحتمل إنساناً معيناً تشير إليه الآية.

و (أهلكت مالاً لبداً) تحتمل أكثر من معنى، فهو قد يكون أنفقته في المفاخر والمكارم والمباهاة. وتحتمل الإنفاق في عداوة الرسول، وتحتمل غير ذلك. وتحتمل الكذب فلم ينفق شيئاً، وإنما هو ادعاء محض.

و (اللبد) تحتمل الجمع وتحتمل المفرد، فعلى الجمع تكون جمع (لبدة) كنقطة ونقط، وخطوة وخطى وعلى المفرد تكون صفة كحطم ولكع.

و "النجدان" يحتملان طريقي الخير والشر، ويحتملان الثديين وكلاهما هدانا ربنا إليهما.

و (لا) في قوله: (فلا اقتحم العقبة) تحتمل النفي الدعاء، وتحتمل المضي والاستقبال.

و (العقبة) تحتمل أموراً كثيرة، ذكر قسم من المفسرين: أنها في الآخرة. وقال آخرون: هي في الدنيا. وقيل: هي جبل في جهنم، وقيل: هي عقبة بين الجنة والنار.

و (فك رقبة) يحتمل العتق وغيره من فك المغارم والديون وغيرها.

و (أصحاب الميمنة) تحتمل أصحاب جهة اليمين. وأصحاب اليمين، وأصحاب اليمن ضد الشؤم.

و (المشئمة) كذلك.

فانظر كيف وضعت تعبيراتها للاتساع في المعاني.

والملاحظ في هذه السورة أن فيها خطوطاً تعبيرية ومقامية واضحة أشرنا إليها.

منها: خط المكابدة الذي تدل عليه الآية (لقد خلقنا الإنسان في كبد) وخط العموم والاتساع في المعنى وهو الذي بيناه آنفاً.

وخط الاجتماع الذي ذكرناه في قوله: (أهلكت مالا لبداً)

وخط الصبر الذي دل عليه قوله: (وتواصوا بالصبر).

وخط المرحمة الذي دل عليه قوله: (تواصوا بالمرحمة).

فانظر أي إحكام في النسج، وأي دقة في التعبير هذا الذي بين الدفتين.


¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير