تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

57 - ما دلالة كلمة (أهلك) في قوله تعالى في سورة هود (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40})؟

أهلك هنا إسم أو فعل؟ الحكم القاطع هو إسم بمعنى الأهل وهناك مرجحات وهناك ما يقطع مبدئياً من الترجيح فالآية تشير أن الهلاك لم يحصل بعد لأنهم لم يركبوا. فالركوب لم يحصل ولم يحصل الهلاك فلا يصح أن تعتبر كلمة (أهلك) بمعنى الإهلاك. والأمر الآخر أنه لو كان (أهلك) فعل بمعنى الهلاك عادة يكون الإستثناء مفرّقاً والإستثناء المفرّق لا يكون إلا مسبوقاً بنفي أو ما يشبه النفي. (أهلك إلا من سبق عليه القول) مفرّق وليس مسبوقاً بنفي وهذا ما يُضعّف أن يكون أهلك بمعنى فعل الإهلاك.

أما الآية (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) في سورة المؤمنون فالضمير يعود على الأهل إذن نستدلّ من هذه الآية أن المقصود هو الأهل وليس فعل الإهلاك وهذه كلها مرجّحات. أما ما يقطع بأن المقصود هم الأهل فهو أنه لو كان أهلك فعل ماضي سيكون الناجون قسمين الأول (من سبق عليه القول) والثاني (من آمن) إذن من سبق عليه القول غير من آمن إذن فالناجون اثنين المؤمنون ومن سبق عليه القول وهؤلاء ليسوا مؤمنين لكن في الواقع أن الناجين هم المؤمنون فقط لذا فلا يمكن ولا يصح أن تكون النجاة لغير المؤمنين.

وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب. المقصود بقوله تعالى (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.

ولماذا قال تعالى في آية هود (احمل) (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40}) وفي سورة المؤمنون (فاسلك) (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) فما المقصود بالسلوك؟ سلك هو النفاذ في الطريق كما قال تعالى (فاسلكي سبل ربك) سورة النحل وقد يأتي فيها معنى الدخول (ما سلككم في سقر) أما الحمل فيكون بعد السلوك أولاً يدخل السفينة ثم يحمل بعد دخوله. في سورة هود ذكر ما دلّ على الحمل لأن الحمل جاري في السفينة (حمل السفينة للأشخاص) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وهي تجري بهم بمعنى تحملهم (يا نوح اهبط بسلام) إذن سورة هود فيها حمل. بينما في سورة المؤمنون لم يذكر الحمل أو صورة الحمل (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).

والقول (من سبق عليه القول) أعمّ من القول (من سبق عليه القول منهم) فسورة هود مبنية على العموم وليس على الخصوص (إلا من سبق عليه القول ومن آمن) فلم يذكر تعالى من آمن أي هي أعمّ، وكذلك الآيات (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) (يا أرض ابلعي ماءك) (بُعداً للقوم الظالمين) (قيل يا نوح اهبط بسلاممنا وأمم ممن معك وأمم سنمتّعهم) أما في سورة المؤمنون فالسياق في التخصيص فذكر تعالى السلام والبركات في سورة هود وهذا دليل العموم، وفي سورة المؤمنون لم يذكر السلام والبركات وإنما خصص كما في الآية (أنزلني منزلاً مباركاً)، ولهذا ذكر (منهم) و (اسلك) في سورة المؤمنون ولم يذكرهما في سورة هود.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير