وحول أسباب ضياع الجزء الأكبر من التراث العربي والإسلامي يقول الدكتور عبد اللطيف الجيلاني من جامعة الحسن الثاني بالمغرب: "إن تقليب صفحات التاريخ والإلمام بتقلباته سرعان ما يوصلنا إلى معرفة كثير من الأسباب التي أدت إلى انزواء معظم كتب التراث واندثارها، ومن ذلك ضياعها بسبب الغرق؛ فقد تسببت الكوارث الطبيعية من فيضانات وسيول في إتلاف الكثير من الخزائن المملوءة كتبًا، كما جرَّ الحقد الدفين والإمعان في البطش والتخريب الجيوش التترية إلى رمي ذخائر خزائن بغداد في نهر دجلة، حتى إنه قيل عن تحول ماء نهر دجلة إلى لون المداد وإن الكتب صارت جسرًا يعبر الناس عليه. وإن كنت أرى ذلك مجرد مبالغة من بعض المؤرخين.
كما قيل إن بعض العلماء الزهاد كانوا يرمون كتبهم في الماء من باب التراجع عن مضامينها أو الورع والخوف من تبعاتها، وإذا كان ذلك صحيحًًا فهل نجت بعض الكتب من الغرق؟ وهل هناك طريقة سلكها العرب لحماية المخطوطات من الغرق؟ وما آثار الانتكاسة التي أحدثتها ظاهرة غرق الكتب على الثقافة العربية الإسلامية؟ ".
الأبقار المفقودة
كما أشار الدكتور أحمد هويدي من جامعة القاهرة إلى أنواع الكتابات الدينية عند اليهود، فنجد ما يعرف باسم الأسفار القانونية ويوجد مقابلها ما يعرف باسم الأسفار غير القانونية، كما أن هناك الشريعة المكتوبة ومقابلها الشريعة الشفوية.
ويقصد بالأسفار القانونية تلك الأسفار التي تم الاعتراف بقانونيتها وضمت في العهد القديم، أما الأسفار غير القانونية فهي تلك الأسفار التي تحتل مرتبة أدنى من تلك التي تحتلها الأسفار القانونية، ولذلك استبعدت ولم يتم ضمها في العهد القديم برغم أنها تشمل بعض المضامين الدينية التي تعد أكثر أهمية لتطور الديانة من بعض الأسفار التي توجد بين أسفار العهد القديم.
ومن الملفت للنظر أن الأسفار القانونية وغير القانونية التي وصلت إلينا لم تكن هي وحدها مجموعة من الأسفار عند اليهود؛ حيث يرد في العهد القديم إشارات كثيرة لأسماء أسفار، لكن الواقع يؤكد عدم وجود هذه الأسفار، ومن هذه الأسفار على سبيل المثال لا الحصر: سفر المستقيم - سفر حروب الرب - سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل- سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا- أقوال ناثان النبي- أخبار بعدو الراثي ... إلخ.
ونظرًا لأن هذه الأسفار لم تصل إلينا، أطلق عليها الباحثون اسم "الأبقار المفقودة" وهذه التسمية تعتبر مقابلة للأسفار التي وصلت إلينا وصارت معروفة، سواء كانت هذه الأسفار هي الأسفار القانونية أم الأسفار غير القانونية.
وبرغم ما يبذله الباحثون فإن الكثير من هذه الأسفار لم يكتشف بعد، وربما يأتي يوم ويتم العثور على هذه الأسفار، وتتغير صورة العهد القديم وحجمه، تمامًا كما تغيرت معارفنا ولا تزال عن الشرق القديم عامة وأسفار العهد القديم بصفة خاصة كلما حدث اكتشاف أثرى جديد.
الغزالي يطوي مخطوطاته
ومن التساؤلات المهمة التي أثارها المؤتمر خلال ورقة الدكتور محمد عبده من جامعة الحسن الثاني بالمغرب حول أسباب توصية أبي حامد الغزالي بإخفاء بعض مخطوطاته محرمًا على من تقع تلك الكتب في يده أن يظهرها إلا من استجمع بعض الصفات الخاصة، وتساءل عبده: هل كان إخفاء الغزالي لهذه الكتب فقط لأن تحتها علومًا عزيزة، أم أن هناك أسبابًا أخرى أجبرته على اتخاذ هذا الموقف؟ وما هي هذه الكتب التي أخفاها وطواها؟
فلقد صنف أبو حامد الغزالي تصانيف كثيرة لكنه لم يظهرها، وأوصى بعدم بذلها، فإنه يكل عنها أكثر الأفهام، ويستضر بها الضعفاء وهم أكثر المترسمين بالعلم، وأنه لا يصلح إظهارها إلا على من أتقن علم الظاهر، ومن الكتب التي أخفاها ولم يظهرها إلا على أهلها، كتاب "المضنون به على غير أهله" وقد صرح بذلك في خطبة هذا الكتاب، حيث قال: "اعلم أن لكل صناعة أهلا يعرف قدرها، ومن أهدى نفائس صناعة إلى غير أربابها فقد ظلمها، وهذا علق نفيس مضنون به على غير أهله، فمن صانه عمن لا يعرف قدره فقد قضى حقه".
ونحوه كتابه "أجوبة الغزالي عن أسئلة ابن العربي"، وهو مخطوط نادر، وفى مقدمته يوصي أبو حامد القاضي ابن العربي بإخفائه وعدم إظهاره وبذله إلا لمن يثق به".