تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأُودِعت الصحفُ المكتوبة عند أبي بكر، ثم عند عمر بن الخطاب حين ولي الخلافة، ثم عند ابنته حفصة أمِّ المؤمنين بعد وفاته ([8]).

® ® ®

ومضى المسلمون يقرأون القرآن بالحروف التي تلقَّوْها عن الرسول صلى الله عليه و سلم، أو عن صحابته الذين تلقوها عنه. فظهر بين هؤلاء الصحابة شيء من الخلاف في التلاوة حسب سماع كل واحد منهم عن الرسول صلى الله عليه و سلم.

ثم زاد هذا الخلاف مع الزمن حين تفرقت جموع المسلمين في فتوح الأمصار. والتقى أهل العراق وأهل الشام في فتح أذْرَبَيْجانَ سنة ثلاثين من الهجرة، على عهد الخليفة عثمان بن عفان. فظهر بين الفريقين خلاف في التلاوة، واتهم بعضهم بعضاً بتغيير القرآن، ووقعت بينهم الشبهة، حتى كاد كل فريق يكفّر الفريق الآخر. وكان فيهم حُذَيْفَة بن اليَمان صاحب الرسول صلى الله عليه و سلم. فأفزعه خلاف المسلمين. فأقبل إلى الخليفة عثمان، وقال له:» أدْرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، ويتفرقوا في أمر دينهم «. وأخبره بالخلاف الواقع بين المسلمين في قراءة القرآن ([9]).

فبادر الخليفة عثمان، وأرسل إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر أن ترسل إليه صحف القرآن المُودعة عندها. فأرسلتها إليه. فأمر زيد بن ثابت الأنصاري بنسخها في مصحف واحد، وجعل معه في هذا الأمر الخطير جماعة من كبار الصحابة، هم عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهم من قريش أهل مكة. وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء منه، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ([10]).

وعكف هؤلاء الصحابة الأعلام على العمل الجليل الذي عُهِد به إليهم. وكتبوا أربعة مصاحف، في أشهر الأقوال ([11])، فوجّه الخليفة عثمان بمصحف منها إلى البصرة، وبمصحف إلى الكوفة، وبمصحف إلى الشام، وأمسك لديه مصحفاً، وهو الذي عُرف بالإمام. وفي قول آخر إن الصحابة المكلفين بهذا الأمر كتبوا ثمانية مصاحف ([12])، وإن الخليفة وجّه بواحد منها إلى مكة، وبآخر إلى اليمن، وبآخر إلى البحرين، وترك مصحفاً في المدينة، غير الإمام الذي أمسكه لنفسه. وقد قيل: إنه جعله سبعَ نسخ. والقول الأول هو الأصحّ، وعليه الأئمة والعلماء ([13])

ثم ردّ عثمان الصحف إلى حفصة أمّ المؤمنين، وأمر بكل ما في غير هذه المصاحف المكتوبة من القراءة، في كل صحيفة أو مصحف، أن يُحْرَق ([14]). ثم أُحْرِقت أيضاً الصحف المحفوظة عند حفصة أم المؤمنين بنتِِ عمر بعد وفاتها. أحرقها مروان بن الحكم ([15]) حين كان أمير المدينة مخافة أن يكون في شيء منها اختلاف لما أمر عثمان بنسخه في المصاحف التي كتبت في عهده.

® ® ®

وأجمع المسلمون على ما تضمنته هذه المصاحف، وتركوا ما خالفها، وقرأ أهل كل مِصْر بما في مصحفهم وتلقّوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقَّوه عن الرسول صلى الله عليه و سلم. قال أبو عمرو الداني:

وإنما أخلى الصَّدْر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل، من حيث أرادوا الدّلالة على بقاء السَّعة في اللغات، والفُسْحَة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها، والقراءة بما شاءت منها. فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نَقْطَها وشكلَها ([16]).

وحقاً كانت هذه المصاحف قد كتبت خالية من النَّقْط، أي إعجام الحروف وشكلها، لخلوّ الكتابة العربية آنذاك من هذه العناصر الخطية. فاحتملت قراءتها:

ما صحَّ نقله، وثبتت قراءته عن الرسول صلى الله عليه و سلم، إذ كان الاعتماد على الحفظ، لا على مجرد الخط. وكان من جملة الأحرف التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. فاقرأوا ما تيسّر منه ([17]).

® ® ®

وأمر هذا الحديث شأن مشكل. وقد ذهب العلماء مذاهب شتى في تفسير المعنى المقصود بهذه الأحرف السبعة. ونرى أن أصحَّ هذه المذاهب، وأدناها للصواب وواقع الحال، هو أن المقصود بها لغات العرب، أي لهجات قبائلهم. جاء في معجم" لسان العرب":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير